الخميس، 5 ديسمبر 2013

أثر المقدمة الكلامية في الرسائل العملية

بحث علمي منشور في مجلة كلية الدراسات الإنسانية في النجف الأشرفالمجلات الأكاديمية العلمية   (ملف pdf ).
حميدة الأعرجي

مقدمة
جاءت الشريعة الإسلامية متكاملة في أحكامها (العلمية، والعملية) كونها خاتمة الشرائع السماوية، فأرسى أُسسها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) المبعوث رحمة للعالمين، وزادها بناءً آل بيته الطاهرين من الأئمة المعصومين عليهم السلام. والذي أضفى على هذا البناء خلوداً وغضاضةً هو فتح باب الاجتهاد فيما تحتاج إليه الأمة في حياتها الفردية والاجتماعية؛ لمواكبة التطور والحضارة وتجدد الأحداث التي لم يكن لها مثيل في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بعده.

   وكان لعلماء الإمامية الريادة في هذا الباب، إذ فتحه الشيخان (المفيد (ت: 313هـ)، والطوسي (ت: 460هـ)) بمصراعيه، وولجوا في خفاياه، سواء على الصعيد العقدي أم على الصعيد التشريعي، فكان ما ألّفوه من كتب فقهية وعقدية منهلاً  لا زال العلماء إلى اليوم يغترفون منه، ولا زالت كتبهم غضّة تتجدد بعلومها، ولعل الباري أضفى عليها هذه الصفة؛ لماّ رأى منهم الإخلاص لوجهه الكريم، فأفاض عليهم من علوم الوحي المنزل على محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين .

ولأجل إلقاء ومضة على طريقة تآليفهم، تم اختيار عناوين بعض الكتب الفقهية لعلماء المسلمين الذين مازجوا فيها بين العقيدة والعمل بالشريعة، إذ اعتمد البحث -في أغلب المسائل العَقَديّة التي تناولها- على هذه الكتب، إلّا القليل منها، فقد أُخذت مسائله من الكتب العَقَديّة إتماماً للمطلب.
            
                   أضغط هنا لتحميل   ملف البحث كاملا pdf

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

نسبة الذكاء في العراق

نسبة الذكاء في العراق للعام 2006 ، تصدرت الدول العربية، وبمستوى عالمي فوق الجيد جدًا..

لتوضيح الأرقام المذكورة في الصورة:
58-68 الحد العام للذكاء في حدوده الدنيا .
68-80 درجة الذكاء جيدة.
80-115 درجة الذكاء جيدة جدًا.. وأعلى من الحد العام.





والحمد لله.. بعد كل الدمار الذي لحق بالعراق وأهله على أيدي الظلمة والأعراب.. لا زال  الأمل يوجد فينا.
فحسب دراسة حديثة، أن الشعب العراقي يتصدر قائمة البلدان العربية الأكثر ذكاء، تليه الكويت ثم اليمن، فيما تشترك السعودية والإمارات والمغرب في نفس الترتيب وهو 24 على مستوى العالم. كشفت دراسة عالمية نشرتها شبكة "غود نت" عن ترتيب دول العالم وفقاً لمعدلات الذكاء، وذلك باستخدام المقياس العلمي الشهير "الآي كيو"، وهو ما يعرف بمتوسط نسبة الذكاء "IQ"، والتي تشير إلى إختصار Intelligence Quotient، ويمكن القول إن الشخص الذي يحصل على 100 درجة وفقاً لمقياس "الآي كيو" هو شخص ذكي، وكلما ارتفعت النسبة أصبح قريباً من درجة العبقرية، فقد حصل العالم الشهير آينشتاين على 200 درجة .


وهذه نتائج آخر اختبار.. أضغط لمعرفة نسبة الذكاء في الدول الباقية

الخميس، 7 نوفمبر 2013

التشريع السَّماوي للأخلاق 2-2

أثر التشريع السَّماوي في تغيير الخُلُق
 
توطئـــة: كلٌ منّا يحس بالوجدان أنه مجبول على حب الجميل والطيّب من الطبيعة في المأكل والمشرب والملبس...إلخ. ولكن ما الواجب على الإنسان حيال هذه الجبِّلة؟ أمِنَ الواجب عليه ألاّ يستجيب لشهواته؟ أيفرض على نفسه ألوان القهر والتقشف والزهد، فيبتعد عن كل ما تلتذ به الأعين وتستطيب له النفس؟ أم يطلق العنان لنفسه في الاستمتاع بكل الملذات التي خلقها الله تعالى وبأي طريقة كانت؟.. وهل الطيَّبات التي خلقها الله تعالى هي لمجرد ابتلاء الإنسان واختباره في ضبط نفسه بالكف عنها؟ أو لغرض استدراجه وإيقاعه في المهالك جراء التعسف في الإفادة منها؟ وهل يحق للإنسان تناول كل الملذات دون أي تبعة تلحق به إن كانت من طريق شرعي ومرضي عند الله؟ أو أنه لا محالة مُسائل عمّا يستفيد منها؟...
إن العقل والشَّرائع السَّماوية كلاهما يدعوان إلى تقنين الإفادة من ملاذّ الطبيعة وطيباتها، لما فيها من مردود حسن على الإنسان وما يحيط به، لذا انبرى علماء الأخلاق إلى الاشتغال وبذل الوسع في وضع القواعد والمسالك التي من شأنها الإسهام في تغيير خُلق الإنسان نحو الصلاح ونيل الطمأنينة النفسية في الدنيا والسعادة في الآخرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل التنظير الأخلاقي قابل للتطبيق، وهل بإمكان كل إنسان العمل به وتلمّس نتائجه، أو أن الخُلق طبع في الإنسان غير قابل للتغير وهو مفطور عليه ومجبور فيه؟.
للوقوف على إجابة هذا السؤال، سيُتناول المبحث في مطالب ثلاثة، هي:
الأول: الخُلُق قابل للتغيير.
الثاني: أخبار الطيـنة والأقوال فيها.
الثالث: قوة الإرادة في تغيير الخُلُق.
 
الخُلُق قابل للتغيير
انقسمت الآراء في إمكانية تغيير الأخلاق قسمان، فذهب القسم الأول إلى أنَّ الأخلاق طِباع في الإنسان ولا يمكن تغييرها، وذهب القسم الثاني إلى إمكانية تغيير الأخلاق بالدربة وطول المجاهدة حتى تصير مَلَكة في الإنسان.
 
واستدل القسم الأول على رأيه بأمرين:
الأول: أنّ الخُلق هو صورة الباطن، كما أن الخَلق هو صورة الظاهر‏.‏ وبما أنَّ الخِلقة الظاهرة ثابتة لا يُقدر على تغييرها، فكذلك القبح الباطن يجري هذا المجرى؛ فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلًا، ولا القبيح يقدر على تحسين صورته، وكذا الحال بالنسبة إلى الخُلُق؛ فالجبان لا يقدر أن يكون شجاعًا، ولا الشَّرير أن يكون خيِّرًا.
والآخر: إنَّ حُسن الخُلُق يقمع الشهوة والغضب‏،‏ وهما قوتان من مقتضى المزاج والطبع ولا ينقطعان قط عن الآدمي، فاشتغاله به تضييع زمان بغير فائدة‏(164).‏
أما القسم الثاني فيرى أن الأخلاق ليست طباعًا وأنها قابلة للتغيير، واستدل على رأيه بالعقل والنقل:
أولًا: الاستدلال العقلي، إنَّ القول بأن الأخلاق طباعًا «يؤدي إلى إبطال قوة التمييز والعقل، وإلى رفض السياسات كلها، وترك النَّاس همجًا مهملين، وإلى ترك الأحداث والصبيان على ما يتفق أن يكونوا عليه بغير سياسة ولا تعلم»(165).. ولإثبات صحة هذا الرأي، برهن ابن مسكويه عليه ، بالقياس المنطقي الآتي:
كل خُلُق يمكن تغييره، ولا شيء مما يمكن تغييره.. هو بالطبع.
فإذن لا خُلُق، ولا واحد منه بالطبع.
وبيَّن صحة القياس بقوله: صحة المقدمة الأولى متحقق في الخارج، والتجربة أثبتت ذلك. والمقدمة الثانية صحيحة أيضًا؛ لأنه لا يمكن تغيير ما هو بالطبع أبدًا، كتغيير حركة النار التي إلى فوق بأن يعوّدها الحركة إلى أسفل، ولا يمكن تعويد الحجّر حركة العلو، بدلًا من حركته الطبيعية إلى أسفل(166).
على أنَّ الفلاسفة يرون، أنَّ النفس الإنسانية فيها استعداد لقبول كافة الصور على تمامها، وهي تختلف عن الجسم في هذا الاستعداد؛ لأن الجسم إذا كانت له صورة ما، فإنه لا يقبل صورة أخرى من جنس صورته الأولى إلا بعد مفارقته الصورة الأولى مفارقة تامة، فمثلًا.. الجسم إذا قبل صورة، وشكلًا من الأشكال، كالتثليث.. فإنه لا يقبل شكلًا آخر من التربيع والتدوير وغيرهما إلا بعد أن يفارقه الشكل الأول، وكذا إذا قبل الشمع صورة نقش في الخاتم، فلا يقبل صورة غيره من النقوش إلا بعد زوال رسم النقش الأول عنه. وهذا الحكم يعمّ كل الأجسام(167). في حين أنَّ النفس تقبل صور الأشياء كلها على اختلافها على التمام والكمال من غير مفارقة للأولى ولا معاقبة ولا زوال رسم، وتقبل صورة بعد أخرى من غير أن تضعف أو تقصر في وقت من الأوقات عن قبول ما يرد ويطرأ عليها من الصور، بل تزداد بالصورة الأولى قوة على ما يرد عليها من الصور الأخر، ولهذه العلة يزداد الإنسان فهمًا كلما ارتاض وتخرج من العلوم والآداب(168).
وذهب الغزّالي إلى الرأي نفسه، واستنكر على القائلين بعدم قبول الخُلُق الإنساني للتغيير، بقوله: «وكيف يُنكر هذا في حق الآدمي، وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ يُنقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدّب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق»(169)‏.‏. كما أنَّ الإنسان من الموجودات الناقصة التي فيها قوة لقبول الكمال، كالنواة التي ليس بتفاح ولا نخل، لكنها مخلوقة خِلقة يمكن أن تصير نخلة أو شجرة تفاح إذا أضيفت التربية إليها، ولا تصير كذلك إلا بالتربية.. وكذا قوى الإنسان الغضبية والشهوية، على الرغم من أنه لا يمكن قمعها وقهرها بالكلية، إلاّ أنه من الممكن تسليسها وقَوْدها بالرياضة والمجاهدة(170)‏.‏
ثانيًا: الاستدلال النقلي، إنَّ هذا الرأي يتوافق مع الآيات القرآنية وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) الحاثّة على تزكية النفس وتطهيرها بالعبادة والتخلّق بالأخلاق الحسنة، و«لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات»(171)، ولكان ورود مثل هذه الآيات الأخلاقية عبثًا - والله تعالى منزّه عن فعل العبث - ولبطل البعث والتكليف.
 
ومن الآيات القرآنية التي تدعو إلى ذلك:
1- قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى((172).. قال الإمام أبي عبد الله ع «من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى»(173)، وهو إشارة إلى تنبيه الإنسان أنه واقع تحت مقام المراقبة، وينبغي له التقوى والورع عن محارم الله تعالى، وهذا لا يتأتى إلاّ بعقل حكيم يحجزه، وقوة إرادة تنأى به عن إتباع الهوى، وإلاّ فالإنسان ضعيف أمام الأهواء ما لم يحجزه عقله عنها. ولذا قال بعض المفسرين «إنما أخذ في وصفه النهي عن الهوى دون ترك إتباعه عملًا؛ لأن الإنسان ضعيف ربما ساقته الجهالة إلى المعصية من غير استكبار، والله واسع المغفرة»(174) ومنه قوله تعالى:)الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ...((175).
2- قوله تعالى:)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا((176) .. قيل: التزكية، بمعنى الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية، بمعنى النقص والإخفاء بالفجور، وقد نسب الله تعالى ذلك إلى الإنسان نفسه؛ فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما(177)، ولذا يكون الفلاح نصيب مَنْ زكّى نفسه - أي نمّاها - بالعمل الصالح أو اجتناب المعصية، والخسران نصيب مَنْ دسَّ - أي أخفى - نفسه في معاصي الله منهمكًا في القبائح التي نهاه الله عنها(178)؛ لأن الله تعالى جعل «غاية الإنسان وما ينتهي إليه أمره ويستقر عليه عاقبته من حيث السعادة والشقاوة والفلاح والخيبة مبنية على أحوال وأخلاق نفسانية مبنية على أعمال من الإنسان»(179)؛ كونه ملهمًا من الله تعالى على التفرقة بين التقوى والفجور، والفضيلة والرذيلة.
من هنا.. يتبيَّن أنَّ هاتين الآيتين تؤكدان على أنَّ الإنسان بمقدوره أنْ يغيِّر أخلاقه وينمّي نفسه من خلال طلبه للأخلاق الحسنة، وإلاّ لما أشارت الآيتان إلى فلاح مَن يزكّي نفسه وخيبة مَن يدسّها.
 
أما الروايات التي مدحت حُسن الخُلُق وحثّت عليه، فكثيرة، ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «بعثت لأتمِّم صالح الأخلاق»(180)، وقوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(181)، وقوله: «إنَّ من خياركم أحاسنكم أخلاقًا»(182)، وقوله: «أفاضلكم أحسنكم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا الذين يألفون ويُؤلفون وتوطأ رحالهم»(183). وعن الإمام أبي عبد الله ع قوله: «إن الله عز وجل ارتضى لكم الإسلام دينًا، فأحسِنوا صحبته بالسخاء وحُسن الخُلُق»(184)، وفي وصيته ع للمعلّى بن خنيس: «عليك بالسخاء وحسن الخلق، فإنهما يزينان الرجل كما تزين الواسطة القلادة»(185).
ولعل تحقق هذا الأمر في الخارج خير برهان على ذلك؛ فالمستقرئ لتجارب السلّاك والعبّاد، يجد أنَّ هؤلاء النَّاس استطاعوا أنْ يغيروا أخلاقهم من حال إلى حال على اختلاف مشاربهم الدينية والعقدية، ومنهم رابعة العدوية (ت: 180هـ)(*)التي حوَّلت بوصلة حياتها مئة وثمانين درجة، فبعد أن كانت غارقة في الشهوات والمجون، انتفضت على الحياة الحسِّية بكل شهواتها، واتخذت من التصوف مسلكًا لله تعالى بعد توبتها(186).
ومنهم بشر الحافي (ت: 227هـ)(**) الذي كان موئلًا للملاهي والغناء، ولكنه تاب على يد الإمام موسى بن جعفر ع لمّا اجتاز على داره ببغداد - كما يُروى -، فعندما سمع الإمام ع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، وإذا بجارية خرجت منها وبيدها قمامة البقل، فرمت بها في الدرب، فقال لها الإمام ع: يا جارية! صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر. فقال: صدقت، لو كان عبدًا لخاف من مولاه! فلما دخلت، قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيًا، حتى لقي الإمام ع وتاب على يده(187).
 
نعم، تبقى الإشارة إلى أن النَّاس متفاوتون في مراتب قبول التأدّب بالأخلاق «والمسارعة إلى تعديله والحرص عليها، فإنها كثيرة، وهي تُشاهد وتُعاين فيهم، وخاصة في الأطفال... أن فيهم المواتي والممتنع، والسهل والسلس، والفظ والعسر، والخيِّر والشَّرير»(188) أما من نشأ على خلاف التأدّب، فلا يُرجى فلاحه ولا ينبغي الاشتغال بإصلاحه، لأن نفسه العاقلة صارت خادمة لنفسه البهيمية، ولنفسه الغضبية، وصار كالخنزير الوحشي الذي لا يُطمع في رياضته، أللّهم إلاّ أن يكون في جميع أحواله عالمًا بقبح سيرته، ذامًّا لها، عازمًا على الإقلاع والإنابة، فيمكن له إصلاح نفسه بالتوبة ومصاحبة الأخيار وأهل الحكمة(189)، وهذه المرتبة التأديبية من أصعب المراتب، «وفي مثله قيل‏:‏ ومن العناء رياضة الهرم، ومن التعذيب تهذيب الذيب»‏(190).‏
وقد أرجع البعض سبب هذا التفاوت بين النَّاس، إلى الطينة التي خُلق منها الإنسان وما فيها من مزاج؛ كون المزاج في أصل الخلقة مستعد لبعض الأخلاق، وبعضها مقتضٍ لخلافه، فمن النَّاس مجبول على بعض الصفات ولو خلّي عن الأسباب الخارجية، بحيث يغضب ويخاف ويحزن بأدنى سبب، ويضحك بأدنى تعجب. وقد يكون اعتدال القوى فطريًا بحيث يبلغ الإنسان إلى درجة الكمال، كما في الأنبياء والأئمة عليهم السلام(191)، و«لما كانت الأخلاق تختلف أحكامها باختلاف المحل الذي ينبغي أن يقابل بها، احتاج صاحب الخُلُق إلى علم يكون عليه، حتى يصرف في ذلك المحل الخُلُق الذي يليق به عن أمر الله فيكون قربة إلى الله؛ فلذلك تنزلت الشَّرائع لتبين للناس محالِّ أحكام الأخلاق التي جُبِل الإنسان عليها»(192).
 
أخبار الطيـنة والأقوال فيها
هناك من الأخبار المنقولة بطرق الفريقين، ما أفادت إلى تدخّل الطينة في أخلاق الإنسان، كقوله (صلى الله عليه وآله): «النَّاس معادن كمعادن الفضة والذهب خِيَارهم في الجاهلية خِيَارهم في الإسلام إذا فقهوا»(193)، ومنها ما نقله الطبراني عن جابر، قوله: «لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خجل إعظامًا منه لرسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، فقبّل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بين عينيه وقال له: يا حبيبي أنت أشبه النَّاس بخَلقي وخُلُقي وخُلِقتَ من الطينة التي خُلِقتُ منها يا حبيبي»(194).
وعن الإمام علي بن أبي طالب ع قوله: «خُلِق آدم من أديم الأرض، فمنه السباخ، ومنه الملح، ومنه الطيب، فكذلك في ذريته، الصالح والطالح»(195)، وعن الإمام علي بن الحسين ع قوله: «إنَّ الله عز وجل خلق النبيين من طينة عليين، قلوبهم وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و(جعل) خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك، وخلق الكفار من طينة سجين، قلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن، ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خُلقوا منه وقلوب الكافرين تحن إلى ما خُلقوا منه»(196)، وعن الإمام أبي عبد الله ع قوله: «النَّاس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل، فله في الإسلام أصل»(197)، وقال: «إنَّ الله عز وجل: أجرى ماء فقال له كن بحرًا عذبًا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي، وان الله عز وجل: أجرى ماء، فقال له: كن بحرا مالحًا أخلق منك ناري وأهل معصيتي، ثم خلطهما جميعًا، فمن ثم يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن، ولو لم يخلطهما لم يخرج من هذا إلاّ مثله، ولا من هذا إلاّ مثله»(198)... إلى غيرها من الأخبار.
ولكون الجبرية استشهدوا بهذه الأخبار وما شابهها على أنَّ الإنسان مجبور في أفعاله وأخلاقه؛ لأنه مجبول عليها ولا دخل له فيها؛ كونها من ذاتيّات الطينة التي خُلق منها، فإن القائلين بالاختيار - ومنهم الإمامية - حاولوا توجيه تلك الروايات بما يتناسب وأصل العدل الإلهي الذي آمنوا به، ووفق مقولة «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين»(199)، وأرجعوا ذلك إلى العلم الإلهي الأزلي بالأشياء وما تؤول إليه، وملخص أدلتهم تتمثل في النقاط الآتية:
أولًا: أنه لمّا ثبت عند الكلاميين(200) أن علم الله تعالى بالأشياء علمًا أزليًا، فلا مانع عقلًا من أنه سبحانه إذا عَلِم في الأزل «من عبدٍ أنه لا يُريد سوى الطاعة والعبادة والطهارة من الرجس والدنس... أن يعطيه ذلك ويهيئ له جميع الأسباب كما هو مقتضى وعده وما كتبه على نفسه، ولابدّ أن تتعلّق إرادته التكوينية بذلك، تمكينًا للعبد من تحقيق ما يريده، ولا يعني هذا أي جبر لذلك الإنسان في تحقيق مراده، بل يبقى العبد مختارًا مريدًا، قد استجابت المشيئة الإلهية لما اختاره وأراده. وبالعكس فيما لو عَلِمَ من شخص آخر أنه لا يريد سوى التمرد والجحود والكفر والعصيان، والخروج عن حبل الطاعة، فلا يمنعه من ذلك، بل يعطيه كل ما يريد تحقيقًا لرغباته»(201) فخَلَق الأول من طينة طيبة لطفًا به وتسهيلًا عليه وإكرامًا له، وخَلَق الثاني من طينة كَدِرة خبيثة(202). وهذا هو مقتضى عدله سبحانه، في إعطاء كل ذي استعداد لما هو مستعد له؛ لامتناع إمساك الفيض عليه سبحانه، و«إذا كان الفاعل فيّاضًا، والموضوع قابلًا للأخذ، والموانع منتفية، فما هو الوجه عن منع الإفاضة؟... نعم، يُفاض الجود حسب قبول القابل، وعلى وفق قابلية السائل»(203). ويؤيد هذا ما جاء في كثير من الآيات القرآنية التي تشير إلى ذلك، منها قوله تعالى:)مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا((204).
ثانيًا: إنَّ الأخلاق المتأتية من الطينة، ليست من الذاتيِّات الثابتة لها بنحو اللزوم والضرورة، إذ أنّ الذاتي تارة يكون ثابتًا بنحو اللزوم والضرورة، ولا يمكن انفكاكه بأي نحو من الأنحاء، كالزوجية للأربعة، والفردية للخمسة، فلا يمكن للأربعة ألَّا تكون زوجًا، ولا يمكن للخمسة ألَّا تكون فردًا. وأخرى يكون ثابتًا للشيء بنحو الاقتضاء دون العلّية التامة، أي يمكن انفكاكه عنه تحت ظروف معينة، كالبرودة بالنسبة إلى الماء، حيث تقتضي طبيعة الماء أن يكون باردًا، ولكن يمكن انفكاك هذه البرودة عن الماء بوضعه فوق النار فيغدو حارًا(205). «والأفراد الذين يميلون بحسب طينتهم إلى فعل الشَّر، تكون طينتهم ذاتية بالمعنى الثاني، فلا يكونون مسلوبي الاختيار تجاه الخيرات والشَّرور، كالمصاب بداء الرعاش فترتعش يده دون اختياره، بل إنّ هؤلاء الأفراد قادرون على فعل الخير برغم صعوبته عليهم»(206).
ثالثًا: إنَّ مِلاك الجزاء - المثوبة والعقوبة - عند العقلاء، هو مخالفة البالغ العاقل التكليف الواصل إليه؛ لأنه يمتلك القدرة على التمييز بين الحسن والقبيح، وبين إطاعة المولى ومخالفته، كما أنه بالتكليف يستطيع الوقوف على مراد المولى مما يرضيه أو يسخطه، فإذا خالف باختياره وإرادته من دون ضرورة يكون هو تمام الموضوع عند العقلاء لصحة مؤاخذته وعقوبته بألوان العقوبات(207)، ولو لم يكن الإنسان مختارًا لقبُح مؤاخذته بالعقوبة على معصيته، وتعالى الله عن ذلك سبحانه.
رابعًا: القول بأن أخلاق الإنسان من ذاتيّات طينته، وبعدم قدرته على ضبط أفعاله والتحكم بها، «يوجب اختلال نظام العقل في جميع ما يبني عليه العقلاء في أمورهم واتفاقهم على توقع التأثير في باب التعليم والتربية، وتسالمهم على وجود ما يستتبع المدح والذم... وكذا يوجب لغوية تشريع الشَّرائع وإنزال الكتب وإرسال الرسل، ولا معنى لإتمام الحجّة في الذاتيّات بأي معنى صورناها بعد ما كانت مستحيلة الانفكاك عن الذوات»(208)، كما أن الخطاب القرآني واضح الدلالة في أن الجزاء الإلهي مبني على اختيار الإنسان العاقل، وإلاّ فغيره مستثنى من ذلك أمثال الطفل الصغير والمجنون والمغلوب على أمره... إلخ.
 من هنا، فإنّ ما ورد في المأثورات حول الطينة الدالة على الجبر، لابد من تأويله وتفسيره بما يتناسب والعدل الإلهي؛ لأن الأمر بين الأمرين من ضروريات مذهب الإمامية ولا يُقدَّم عليه الخبر الواحد(209). كما أن هناك من الأخبار ما تعارض الأخبار التي سبق ذكرها، في أن كل أبناء آدم خُلقوا سواء - سوى المعصومين الذين اختارهم الله تعالى - ولا فرق بينهم إلا بالتقوى. وإلى ذلك أشار الإمام جعفر الصادقع في إجابته لابن أبي العوجاء حين سأله: فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟ و فاضل ومفضول؟
فأجابه ع: الشَّريف المطيع، والوضيع العاصي، وإنما يتفاضلون بالتقوى، ثم قال: «إني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم، والأم حواء، خلقهم إله واحد، وهم عبيده، إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناسًا طهَّر ميلادهم، وطيَّب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم، ما فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عز وجل. ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئًا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده، وهؤلاء الذين لهم الشَّرف والفضل والحسب، وساير النَّاس سواء، إلاّ من اتقى الله أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار... لو خلقهم مطيعين، لم يكن لهم ثواب؛ لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نارًا، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب، وبمعصيتهم إياه العقاب... إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدِّر على العبد الشَّر ويريده منه، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، والإنزاع عما لا يقدر على تركه، ثم يعذِّبه على أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه»(210).
 
 قوة الإرادة في تغيير الخُلُق
البِنية التكوينية للإنسان نظام متكامل، فيه المشرِّع والآمِر والمنفِّذ والممتثِل.. حتى قيل أنه أشبه بالمملكة أو المدينة.. «اليدينوالقدمينوجميعالأعضاءضِياعها،والقوةالشهوانيةواليها، والقوةالغضبيةشحنتها،والقلبمَلِكها،والعقلوزيرها»(211).. ولكن الإنسان يبقى بحاجة إلى قوة الإرادة، فإن لم تكن هنالك إرادة لم يكن هناك تحقق للعمل. فالإنسان السوي هو الذي يمتلك القوة التشريعية المتمثلة بالعقل المفطور على التمييز بين الحسن والقبح، الذي اُنيطت به وظيفة التنبيه والإرشاد والتوجيه وإعطاء القوانين إلى القوة التنفيذية المتمثلة بقوة الإرادة، ومتى ما كانت القوة التنفيذية قوية، كانت حازمة في امتثال القوانين، أما إذا كانت ضعيفة فإنها تتخاذل وتستكين وتخضع لأهواء النفس وشهواتها.
على أنَّ الإرادة القوية تكون خُلُقًا محمودًا إذا كانت مقرونة بالعلم والعقل والحكمة في التصرف، وإلاّ كانت سلاحًا خطيرًا وضارًا(212)، فإذا أدرك العقل عاقبة الأمر وطريق الصلاح فيه، انبعث من ذاته شوق إلى جهة المصلحة وإلى تعاطي أسبابها والإرادة لها، وهذا النوع من الإرادة يختلف عن إرادة الشهوة وإرادة الحيوانات(213). فمن النَّاس مَنْ يتمتع بإرادة قوية، إلا أنه أحمق لا يتحلى بعقل يعقِلَه ويضبط سلوكه بحكمة، فإذا اتجه إلى ضبط نفسه بالعبادة - مثلًا - أهْلَكها وأشْقَاها في غير ما شرّع الله لعباده، زاعمًا أن ما يتنسّك به هو من العبادة ومن فضائل السلوك الذي يقرِّبه إلى الله تعالى(214). ومن هنا، فإن أراد الملك - العقل - أن تستقر مملكته، فعليه بتدبير شؤونها وأحوالها، فلا يستمع لقول الوالي - الشهوة –لأنه كذّا بفضول يمخلِّط، ولا لقول الشحنة- الغضب-لأنه شريرقتَّالخرَّاب، وإلاّ.. هلكت مملكتهوخربت؛لذا وجب عليه أن يجعلالشهوةوالغضبتحتحكمه،حتىتستقرأحوالالنفس، ويصل إلىسبب السعادة من معرفة الحضرة الإلهية (215). قال تعالى:)وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...((216) فكلما تقرب الإنسان إلى ربه زاد الفيض الإلهي عليه، وازداد نورًا وصار له فرقانًا يفرِّق به بين الحق والباطل.
ومن لطف الله تعالى على عباده لم يدعهم لنورهم الفطري هذا وحسب، بل أردفه ببعث الرسل الهادين والموصلين إلى طريق الحق بكتب الهدى والنور)رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ...((217)، ومتى ما عرف الإنسان معبوده الحق واعتقد به كان له أثر الانطباع على عبادته، والشحنة التي تمد إرادته.
 ومن هنا تظهر ثمرة أثر الاعتقاد على سلوك الإنسان، من خلال تنمية الواعز الذاتي القائم على أساس الإيمان برقابة الله ع المطّلع على سرائر النفوس ونواياها، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا ريب أنَّ ذلك سيكون مدعاة لخضوع العبد للتشريع الإلهي والامتثال له عن رغبة واختيار؛ لأنَّ الدين الموقظ للضمير، والأخلاق الداعية للاستقامة، تهيِّئ النفوس إلى الخضوع عن رغبة ورضا وتجعل الإنسان على حذر دائم من المخالفة. فإذا ما وقع فيها لم يحاول الإفلات منها؛ لثقته بأنَّ الشارع المقدس لم يشرع حكمًا إلا وفيه مصلحة للمكلَّف(218). وهذا ما تراه جليًا في سلوك بعض المسلمين الأوائل حينما كانوا يرتكبون الذنب الجنائي - الذي يعاقب عليه الإسلام في الدنيا قبل الآخرة - كانوا يطلبون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) التطهير منه(219) عن رغبة ورضا؛ لِواعزهم الديني ولاعتقادهم بالإله العدل الذي لابد وأنْ يقتص للمظلوم من الظالم عاجلًا أم آجلًا.
 
ملخّــــص
1- مما سبق تبين أنَّ آراء الأصوليين في الأحكام الشرعية، كانت موزعة على فئات ثلاث، هي:
- الفئة الأولى، التي ذهبت إلى القول بأنَّ جميع الأحكام الشرعية تأكيدية، والناس محجوجون أمام الله تعالى بعقولهم؛ لإيمانهم بقدرة العقل على التوصل إلى الأحكام وتمييزها من حيث الحسن والقبح قبل ورود السمع، فما كان حسناً فهو واجب فعله، وما كان قبيحاً يحرم فعله، وما لم يكن الأول ولا الثاني فهو مباح يستوي بين الفعل والترك. وما بُعث الأنبياء والرسل إلّا لتأكيد هذه الأحكام؛ لأن الشارع لا يحكم إلّا بما حكم به العقل، مع تفصيل أدق في بعض الأحكام العبادية. وقد ذهب إلى هذا الرأي كل من أصوليي المعتزلة والحنفية.
- الفئة الثانية، التي آمنت بأنَّ جميع الأحكام العبادية أو غيرها إنما شرّعها الشارع المقدس تأسيساً لها، وليس للعقل قدرة على إصدار أحكام قبل ورود السمع؛ ولذا فهو لا يُلزم بفعل ما أو ترك غيره، فما أمر به الشارع وأوجب فعله فهو حسن، وما نهى الشارع عنه، وألزَمَ الانزجار عنه فهو قبيح، أما قبل ورود الشرع فلا حُكمَ بالحلِّية أو الحرمة، وإنما الأفعال على صنفين: إما أن تكون اضطرارية - كتنفس الهواء وغير- وهي غير ممنوعة، وإما أن تكون غير اضطرارية - كأكل الفواكه وغيرها - فهي موقوفة. وقد ذهب إلى هذا الرأي كل من أصوليي الأشاعرة وفقهاء الإخباريين من الإمامية.
- الفئة الثالثة، وهي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الذين ذهبوا إلى القول بالملازمة بين حُكْم العقل وحُكْم الشارع؛ فما حَكَمَ به العقل من حُسن شيء أو قبحه فلا بدّ للشارع أن يحكم بمثله لأنه سيد العقلاء، وأوامره ونواهيه في هذه الأفعال تكون إرشادية لا مولوية. أما ما لا يستطيع العقل الحكم به من الأفعال، فكل أحكام الشارع فيها تكون مولوية، كالواجبات الشَّرعية؛ لأنها فرع على معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، فهي متأخرة لا محالة.
2- إنَّ العقل المجرد قادر على إدراك بعض من أنواع العبادات قبل ورود الشَّرع علىالجملة. وأنَّ جميع العبادات أفعال أخلاقية عقلية قبل أن تكون أوامر وإلزامات شرعية، لأنها لا تخلو من أنْ يكون فيها شكر للمنعم، وطاعة للمولى، وطلب منه، وهذه الأفعال يستقل العقل بوجوبها على نحو الموجبة الجزئية. أما تفاصيل هذه العبادات فلا يمكن للعقل إدراكها؛ لقصوره ولعدم إحاطته بملاكات الأحكام.
3- العمل بالأحكام الشَّرعية فرع العلم بالأحكام العقدية، فما لم يقف المكلَّف على عقيدة ما، لا يمكنه الامتثال لأوامر ونواهي شارعها. كما أنَّ عمل المكلَّف نفسه مهما كانت درجة صلاحه وكماله لا يكون مرضيًا عند الله تعالى ما لم يكن نابعًا من عقيدة حقّة.
4- الأخلاق النفسانية ليست طباعاً ذاتية في الإنسان، وهي قابلة للتغيير عن طريق التهذيب بالدربة والمران، بدليل قبول الطفل للتربية والسياسة، وقبول الكبير لتهذيب النفس متى ما عزم على ذلك، وهذا من فضل الله على عباده أن جعل أنفسهم مستعدة لقبول كافة الصور على تمامها، فكلما ارتاض الإنسان ازداد فهماً وتعلماً، وبإمكانه إخضاع قواه الغضبية والشهوية لقوة العقل بالرياضة والمجاهدة‏.‏ ومن هنا جاء تأكيد الشرائع السماوية على تهذيب النفس وتزكيتها بالعبادة والتخلّق بالأخلاق الحسنة.
 
 
  المصادر والمراجع
 1- القرآن الكريم.
2-أحمد ابن حنبل: أبو عبد الله بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي (ت:241هـ)/مسند أحمد، دار صادر – بيروت.
3-الإسترآبادي: محمد أمين بن محمد شريف (1033هـ)/الفوائد المدنية- وبذيله: الشواهد المكية لـ (نور الدين الموسوي العاملي)، تحقيق: رحمة الله الرحمتي ألأراكي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط1 (1424هـ).
4-الأشعري: أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت: 324هـ)/مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق: هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3.
5-الأصفهاني: محمد حسين الغروي (ت: 1361هـ)/نهاية الدراية في شرح الكفاية، تحقيق: مهدي أحدي أمير كلائي، انتشارات سيد الشهداء - قم، أمير - قم، ط1.
6-الآمدي: أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سيف السالم الأشعري الشافعي (ت: 631هـ)/الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيف، المكتب الإسلامي – بيروت، مطبعة مؤسسة النور، ط2 (1402هـ).
7-البغدادي: عبد القادر بن عمر (ت: 1093هـ)/خزانة الأدب تحقيق: محمد نبيل طريفي،إميل بديع اليعقوب دار الكتب العلمية – بيروت،ط1 (1998م).
8-البخاري: أبو عبد الله محمد بن اسماعيل (ت: 256هـ)/الجامع الصحيح، دار الفكر- بيروت (طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول)، 1401هـ 1981م.
9-البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين (ت: 458هـ)/السنن الكبرى، دار الفكر.
10-توفيق الطويل/أسس الفلسفة، دار النهضة العربية- القاهرة، ط6 (1976م).
11-الجصَّاص: أبو بكر أحمد بن علي الرازي (ت: 370هـ)/الفصول في الأصول، تحقيق: عجيل جاسم النمشي، التراث الإسلامي، ط1 (1985م).
12-جعفر السبحاني/لب الأثر في الجبر والقدر – تقريرًا لمحاضرات السيد الخميني، مؤسسة الإمام الصادقع - قم، اعتماد – قم، ط1 (1418هـ).
13-جعفر السبحاني/محاضرات في الإلهيات، الدار الإسلامية – بيروت، ط:1(1989م).
الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت: 405هـ)/المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشي، دار المعرفة – لبنان.
14-ابن حبان: أبو حاتم محمد (354هـ)/صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 (1993م).
15-الحر العاملي: محمد بن الحسن (ت: 1104 هـ)/وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشَّريعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة ، مهر – قم، ط2 (1414هـ).
16-الحلبي: أبو الصلاح تقي الدين (ت: 447 هـ‍)/الكافي للحلبي، تحقيق: رضا أستاذي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة – أصفهان.
17-ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد (ت: 681هـ)/وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة – لبنان.
18-الخميني: روح الله الموسوي (ت: 1409هـ)/سرِّ الصَّلاة، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الأمام الخميني، ط2 (2003م).
19-الخوئي: أبو القاسم بن السيد علي أكبر (ت:1411)/البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء– بيروت، ط4 (1975م).
20-الداماد: محمد الباقر الحسيني المرعشي الاسترابادي (1041هـ)/اثنتا عشرة رسالة – الرسالة الفقهية، قدّم له: شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي، عنى بطبعه ونشره: جمال الدين المير دامادي.
21-الرازي: فخر الدين محمد بن عمر (ت: 606هـ)/ مفاتيح الغيب، مفاتيح الغيب المسمى بـ (التفسير الكبير)، دار الكتب العلمية – بيروت، ط3 .
22-الرازي: فخر الدين محمد بن عمر/المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 (1992م).
23-الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (ت:538هـ)/الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، مكتبة مصطفى البابي الحلبي– خلفاء، 1966م.
24-السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد/أصول السرخسي، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1993م).
25-الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين (ت436هـ)/مجموعة في فنون من علم الكلام، تحقيق: محمد حسن آل يسين، مطبعة المعارف، ط2، 1955م.
26-الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الأشعري (ت: 548 هـ - 1153م)/الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة – بيروت، طبعة دار المعرفة.
الشيرازي: صدر الدين محمد بن إبراهيم (ت :1050هـ)/الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، مكتبة المصطفى- قم، طمهر استوار- قم.
27-الشيرازي: صدر الدين/المبدأ والمعاد، قدمه وصححه: جلال الدين الآشتياني، مكتب الإعلام الإسلامي، ط3 (1422هـ).
28-الصدر: محمد باقر/دروس في علم الأصول – الحلقة الثالثة، مكتبة المدرسة – بيروت، دار الكتاب اللبناني – بيروت، ط2 (1986م).
29-الصدر: محمد باقر/الفتاوى الواضحة، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.
30-الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت: 381هـ)/علل الشَّرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبوعاتها – النجف الأشرف، 1966 م.
31-الطباطبائي: محمد حسين (ت: 1412هـ)/الميزان في تفسير القرآن، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية – قم المقدسة.
32-الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت: 360هـ)/المعجم الأوسط، تحقيق: معاذ أبو الفضل وآخرون، دار الحرمين – القاهرة، 1995م.
33-الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت: 620هـ)/الاحتجاج، تعليق وملاحظات: محمد باقر الخرسان، دار النعمان - النجف الأشرف، 1966 م.
34-الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن (ت:460هـ)/ الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، منشورات مكتبة جامع چهلستون، مطبعة الخيام – قم، 1400 هـ.
35-الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن/التبيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد حبيب قصير، مكتب الإعلام الإسلامي، ط:1 - 1409هـ.
36-الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن/مصباح المتهجد، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت، ط1 (1991م) .
37-ابن عابدين: محمد أمين (ت: 1252هـ)/حاشية ردّ المحتار على الدر المختار (المعروفة بحاشية ابن عابدين)، دار الفكر – بيروت، 2000م.
38-عباس ألقمي: عباس بن حيدر القمي النجفي (ت: 1359هـ)/الكُنى والألقاب، تقديم: محمد هادي الأميني، مكتبة الصدر - طهران، 2/167.
39-عبد الرحمن بدوي/شهيدة العشق الإلهي – رابعة العدوية، مكتبة النهضة المصرية، ط2 (1962م).
40-عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني/الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم - دمشق، ط5 (1999م).
41-ابن عربي: محي الدين أبو عبد الله محمد بن علي الحاتمي الطائي (ت: 638هـ)/الفتوحات المكية، دار صادر – بيروت.
42-العلّامة الحلي: الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 726هـ)/منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، تحقيق: عبد الرحيم مبارك، انتشارات تاسوعاء - مشهد، لهادي – قم، ط1.
43-العلّامة الحلي/النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، دار الأضواء – بيروت، ط2 (1996م).
44-علي الطباطبائي (ت: 1231هـ)/ رياض المسائل، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط1 (1412هـ).
45-الإمام علي بن أبي طالب ع/ نهج البلاغة – بشرح محمد عبده بن حسن خير الله (ت:1323هـ)، دار الذخائر – قم، مطبعة النهضة، ط1 (1412هـ).
46-الغزّالي: أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت: 505هـ)/إحياء علوم الدين - كتاب تهذيب الأخلاق، دار المعرفة – بيروت.
47-الغزّالي: أبو حامد محمد بن محمد/ كيمياء السعادة، مكتبة المصطفى الإلكترونية www.al-mostafa.com.
48-الغزّالي: أبو حامد محمد بن محمد/المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر – بيروت، ط3 (1998م).
49-القاضي عبد الجبار: أبو الحسن الهمداني المعتزلي (ت: 415هـ)/شرح الأصول الخمسة، تعليق: الإمام احمد بن الحسين بن أبي هاشم، حققه وقدم له: عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بعابدين – القاهرة، ط1 (1965م).
50-كاشف الغطاء: جعفر بن خضر الجناجي النجفي (ت:1228هـ)/ كشف الغطاء، انتشارات مهدوي، طبعة حجرية.
51-الكليني:أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي (ت:329هـ)/الأصول من الكافي، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية – طهران، حيدري، ط5.
52-كمال الحيدري/مقدمة في علم الأخلاق، مؤسسة الإمام الجواد للفكر والثقافة – قم المقدسة، 1427هـ.
53-المازندراني: المولى محمد صالح بن أحمد السروي (ت:1081هـ، أو 1086هـ)/شرح أصول الكافي، تحقيق: أبو الحسن الشعراني، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط1 (2000م).
54-المتقي الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (ت: 975هـ)/كنز العمال، ضبط وتفسير: بكري حياني، تصحيح وفهرسة: صفوة السقا، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1989م.
55-محمد مصطفى شلبي/المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي، دار النهضة العربية – يروت، (1388هـ - 1969م).
56-مرتضى المطهري/العدل الالهي، ترجمة: محمد عبد المنعم الخاقاني، دار الفقه، مطبعة كيميا، ط1، 1424هـ.
57-ابن مسكويه: أبو علي أحمد بن محمد الرازي الأصفهاني (ت: 421هـ)/تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، تحقيق: قسطنطين زريق، منشورات الجامعة الأمريكية – بيروت، 1966م.
58-مسلم: أبو الحسين بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت:261هـ)/ صحيح مسلم، دار الفكر – بيروت.
59-المظفر: محمد رضا/أصول الفقه، إسماعليان، مطبعة نينوى، ط13.
60-المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ت: 413هـ)/أوائل المقالات، تحقيق: إبراهيم الأنصاري، دار المفيد - بيروت، ط:2 (1993م).
61-المفيد/كتاب الأمالي، تحقيق: الحسين استاد ولي، منشورات جماعة المدرسين – قم المقدسة، المطبعة 1993م.
62- المفيد/المسائل العكبرية، تحقيق: علي أكبر الإلهي الخراساني، دار المفيد - بيروت، ط2 (1993م).
63-المفيد/المقنعة، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط2 (1410هـ).
64-ناصر مكارم الشيرازي/الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 18/522.
65-النراقي: محمد مهدي بن أبي ذر الكاشاني (ت: 1209هـ)/جامع السعادات، تحقيق وتعليق: محمد كلانتر، تقديم: محمد رضا المظفر، دار النعمان، مطبعة النعمان - النجف الأشرف.
66-الهيثمي: نور الدين علي بن أبي يكر (ت: 807هـ)/مجمع الزوائد، دار الكتب العلمية – بيروت، 1988م.
67-الوحيد الخراساني/منهاج الصالحين، (تخلو هوية الكتاب من اسم دار النشر أو المطبعة والطبعة).
 
الهوامش
(1)- توفيق الطويل/أسس الفلسفة، ص433.
(2)- القاضي عبد الجبار: أبو الحسن الهمداني المعتزلي (ت: 415هـ)/شرح الأصول الخمسة، تعليق: الإمام احمد بن الحسين بن أبي هاشم، حققه وقدم له: عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بعابدين – القاهرة، ط1 (1965م)، ص127.
(3)- الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الأشعري (ت: 548 هـ - 1153م)/الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة – بيروت، طبعة دار المعرفة، 1/70.
(4)- الأشعري: أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت: 324هـ)/مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق: هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3، 1/226.
(5)- المفيد/أوائل المقالات، تحقيق: إبراهيم الأنصاري، دار المفيد - بيروت، ط:2 (1993م)، ص44-45.
(6)- الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (ت:538هـ)/الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، مكتبة مصطفى البابي الحلبي– خلفاء، 1966م، 1/شرح ص583-584.
(7)- سورة غافر/66.
(8)- م. ن. ، 2/شرح ص23.
(9) سورة الصافات/95.
(10)- الزمخشري/الكشاف، 3/ شرح ص 435-436.
(11)- ظ الآمدي: أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سيف السالم الأشعري الشافعي (ت: 631هـ)/الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيف، المكتب الإسلامي – بيروت، مطبعة مؤسسة النور، ط2 (1402هـ)، 1/92-93.
(12) - قال القاضي عبد الجبار: «واعلم أنَّ الواجبات على ضربين: «موسَّع فيه مخيَّر، ومعيَّن مضيَّق»، وضرب مثالًا للواجب المخيّر عقلًا بـ (قضاء الدَين) فمن كان عليه دين كان مخيّرًا في قضائه من هذا الكيس أو من غيره إذا كان النقد واحدًا، أما الواجب المضيّق فمثاله (ردّ الوديعة) إذا جاء صاحبها وطالبه بها فلابدّ من إرجاعها بعينها، ولا يقوم غيرها مقامها من قيمة أو بدل - القاضي عبد الجبار/شرح الصول الخمسة، ص32.
(13)- الرازي: فخر الدين محمد بن عمر/المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 (1992م)، 1/124.
(14)- الجصَّاص: أبو بكر أحمد بن علي الرازي/الفصول في الأصول، تحقيق: عجيل جاسم النمشي، التراث الإسلامي، ط1 (1985م)، 3/247-248.
(15)- م. ن. ، 3/249.
(16)- سورة التوبة/115.
(17)- الجصَّاص/الفصول في الأصول، 3/260.
(18)- سورة الجاثية/13.
(19)- سورة الأعراف/32.
(20)- سورة الأعراف/33.
(21)- ظ السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد/أصول السرخسي، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1993م)، ص118.
(22)- ظ م. ن. ، ص118-144.
(23)- ابن عابدين: محمد أمين (ت: 1252هـ)/حاشية ردّ المحتار على الدر المختار (المعروفة بحاشية ابن عابدين)، دار الفكر – بيروت، 2000م، 4/28.
(24)- الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد/المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر – بيروت، ط3 (1998م)، ص73.
(25)- م. ن.
(26)- م. ن. ، ص74.
(27)- م. ن. ، ص77.
(28)- م. ن.
(29)- الرازي/المحصول، 1/148.
(30)- سورة الإسراء/15.
(31)- سورة النساء/165.
(32)- الرازي/المحصول، 1/150-156.
(33)- م. ن. ، 1/156.
(34)- م. ن.، 1/159.
(35)- م. ن.، 1/160.
(36)- الآمدي: علي بن أبي علي محمد الشافعي (ت: 631هـ)/الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيف، المكتب الإسلامي – بيروت، مطبعة مؤسسة النور، ط2 (1402هـ)، 1/93.
(37)- المصدر السابق، 1/93.
(38)- م. ن.، 1/94.
(39)- وتبع هذه المدرسة أيضًا كل من الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي (ت: 1076 ه‍)، والحر العاملي مؤلف الموسوعة الحديثية الكبيرة وسائل الشيعة، والفيض الكاشاني مؤلف الوافي، والشيخ يوسف البحراني مؤلف الحدائق الناضرة... وغيرهم.. ظ علي الطباطبائي (ت: 1231هـ)/ رياض المسائل، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط1 (1412هـ)، 1/104.
(40)- الإسترآبادي: محمد أمين بن محمد شريف (1033هـ)/الفوائد المدنية- وبذيله: الشواهد المكية لـ (نور الدين الموسوي العاملي)، تحقيق: رحمة الله الرحمتي ألأراكي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط1 (1424هـ)، ص258.
(41)- م. ن.
(42)- علي الطباطبائي/رياض المسائل، 1/104.
* - الكتب هي: الأول: من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ت: 381هـ)، والثاني: الكافي للشيخ الكليني (ت: 329هـ)، والثالث: الاستبصار للشيخ الطوسي (ت: 460هـ)، والرابع: تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي أيضًا.
-(43) علي الطباطبائي/رياض المسائل، 1/105-108.
(44)- سورة النحل/ 44.
(45)- الإسترآبادي/الفوائد المدنية، ص452.
(46)- م. ن.
(47)- الحر العاملي: محمد بن الحسن (ت: 1104 هـ)/وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشَّريعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة ، مهر – قم، ط2 (1414هـ)، 6/290.
(48)- م. ن. ، 27/164.
(49)- الإسترآبادي/الفوائد المدنية، ص467.
(50)- م. ن.، ص468.
(51)- ظ المظفر: محمد رضا /أصول الفقه، إسماعليان، مطبعة نينوى، ط13، 2/294.
(52)- المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد/المسائل العكبرية، تحقيق: علي أكبر الإلهي الخراساني، دار المفيد - بيروت، ط2 (1993م)، ص85.
(53)- م. ن.، ص86.
(54)- المفيد/أوائل المقالات، ص44.
(55)- الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن/الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، منشورات مكتبة جامع چهلستون، مطبعة الخيام – قم، 1400 هـ، ص47-48.
(56)- م. ن.، ص98
(57)- الداماد: محمد الباقر الحسيني المرعشي الاسترابادي (1041هـ)/اثنتا عشرة رسالة – الرسالة الفقهية، قدّم له: شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي، عنى بطبعه ونشره: جمال الدين المير دامادي، 4/43.
(58)- م. ن.
(59)- م. ن. ، 4/44.
(60)- عبّر الشيخ بلفظ العقلاء لأنه يرى أن التحسين والتقبيح العقليين مما تواضعت عليه آراء العقلاء حفظًا للنظام وإبقاءً للنوع، لأن قضاياه من القضايا المشهورة وليس من القضايا الأولية البديهية، وهو أول من ذهب إلى ذلك من أصوليي الإمامية = = وتبعه على ذلك كل من تلميذيه الشيخ محمد رضا المظفر والعلامة محمد حسين الطباطبائي .. ظ الأصفهاني: محمد حسين الغروي/نهاية الدراية في شرح الكفاية، تحقيق: مهدي أحدي أمير كلائي، انتشارات سيد الشهداء - قم، أمير - قم، ط1 ، 2/327.
(61)- الأصفهاني/نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2/320.
(62)- م. ن. ، 2/322.
(63)- م. ن.    
(64)- م. ن. ، 2/323.
(65)- م. ن. ، 2/324.
(66)- م. ن. ، 2/325.
(67)- م. ن.
(68)- م. ن. ، 2/331.
(69)- المظفر/أصول الفقه، 2/293 .
(70)- م. ن. ، 2/294.
(71)- م. ن. ، 2/295.
(72)- م. ن.
(73)- م. ن. ، 2/296.
(74)- م. ن. ، 2/296-297.
(75)- المجلسي/بحار الأنوار، 2/303.
(76)- الصدر: محمد باقر/دروس في علم الأصول – الحلقة الثالثة، مكتبة المدرسة – بيروت، دار الكتاب اللبناني – بيروت، ط2 (1986م)، 1/307-308.
(77)- م. ن.، 1/306.
(78)- الوحيد الخراساني/منهاج الصالحين، (تخلو هوية الكتاب من اسم دار النشر أو المطبعة والطبعة)، 1/10.
(79)- الطباطبائي: محمد حسين/الميزان، 11/158.
(80)- م. ن.، 11/155.
(81)- المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ت:413هـ)/المقنعة، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط2 (1410هـ)، ص 27.
(82)- الطوسي/الاقتصاد، ص5.
(83)- الكليني/الكافي، 2/517.
(84)- المازندراني/شرح أصول الكافي، 10/318.
(85)- الشيرازي: صدر الدين محمد بن إبراهيم (ت :1050هـ)/المبدأ والمعاد، قدمه وصححه: جلال الدين الآشتياني، مكتب الإعلام الإسلامي، ط3 (1422هـ)، ص164.
(86)- الشيرازي: صدر الدين محمد بن إبراهيم/الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، مكتبة المصطفى- قم، طمهر استوار- قم، 2/188.
(87)- المصدر السابق، ص165.
(88)- سورة يوسف/106.
(89)- الطوسي/الاقتصاد، ص6.
(90)- كاشف الغطاء: جعفر بن خضر الجناجي النجفي (ت:1228هـ)/ كشف الغطاء، انتشارات مهدوي، طبعة حجرية، 1/ 3.
(91)- سورة فصلت/53.
*- من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع المعرف بدعاء الصباح – ظ المجلسي/بحار الأنوار، 84/340.
**- دعاء الإمام السجاد ع في سحر كل ليلة من شهر رمضان - ظ الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن/مصباح المتهجد، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت، ط1 (1991م) ص582.
(92)- جعفر كاشف الغطاء/ كشف الغطاء، 1/3 .
(93)- الطوسي/الاقتصاد، ص11.
(94)- م. ن.، ص15.
(95)- م. ن. ، و ظ القاضي عبد الجبار/شرح الأصول الخمسة، ص124.
(96)- ظ الزمخشري/الكشاف، 2/شرح 145، العلّامة الحلي/النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، دار الأضواء – بيروت، ط2 (1996م)، ص70.
(97)- الإيجي/المواقف، 3/295-296.
(98)- مرتضى المطهري/العدل الالهي، ترجمة: محمد عبد المنعم الخاقاني، دار الفقه، مطبعة كيميا، ط1، 1424هـ، ص27-28.
(99)- سورة الأنبياء/16.
(100)- سورة الذاريات/56
(101)- سورة القيامة/36.
(102)- ابن مسكويه: أبو علي أحمد بن محمد الرازي الأصفهاني (ت: 421هـ)/تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، تحقيق: قسطنطين زريق، منشورات الجامعة الأمريكية – بيروت، 1966م، ص134.
(103)- ابن مسكويه/تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص134.
(104)- الوحيد الخراساني/منهاج الصالحين، 1/7-8.
*- يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: إنَّ بعث الأنبياء والتكليف بالشريعة واجب على الله تعالى، لأنه إذا علِم أنّ صلاحنا في بعثة الرسل، وأنْ نتعبّد بالشريعة، وجَبَ أن يبعث الرسل ونتعبّد، ومن العدل أنْ لا يخلَّ بما هو واجب عليه - شرح الأصول الخمسة، ص123. على أنّ هناك من قال بوجوبه عن الله – لا على الله – دفعًا للتوهم الحاصل عند بعض الفرق الإسلامية، من أنه لا يجوز قول ذلك في حق الله تعالى، لأنه ليس من حق أحد أن يوجب على الله تعالى شيئًا، وأنّ جميع ما يفعله إنما هو تفضّل منه سبحانه – ظ المنتظري: حسين علي/من المبدأ إلى المعاد، ص84.
(105)- الطوسي/الاقتصاد، ص63 – 64.
(106)- الخوئي: أبو القاسم بن السيد علي أكبر (ت:1411)/البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء– بيروت، ط4 (1975م)، ص34-35.
(107)- سورة الأنفال/42.
(108)- جعفر السبحاني/محاضرات في الإلهيات، الدار الإسلامية – بيروت، ط:1(1989م)، ص183.
(109)- سورة البقرة/286.
(110)- الإيجي/المواقف، 3/293.
(111)- الصدر: محمد باقر/الفتاوى الواضحة، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، ص579-580.
(112)- م. ن.، ص581.
(113)- سورة الذاريات/56.
(114)- المازندراني: المولى محمد صالح بن أحمد السروي (ت:1081هـ، أو 1086هـ)/شرح أصول الكافي، تحقيق: أبو الحسن الشعراني، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط1 (2000م)،2/171.
(115)- الشيرازي: صدر الدين/المبدأ والمعاد، ص623.
(116)- الخميني: روح الله الموسوي (ت: 1409هـ)/سرِّ الصَّلاة، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الأمام الخميني، ط2 (2003م)، ص14 – بقلم عبد الله الجوادي الآملي – مقدمة الكتاب.
*- يقول الشيرازي: (للسلَّاك من العرفاء والأولياء أسفارًا أربعة أحدها السفر من الخلق إلى الحق. وثانيها السفر بالحق في الحق. والسفر الثالث يقابل الأول لأنه من الحق إلى الخلق بالحق. والرابع يقابل الثاني من وجه لأنه بالحق في الخلق) – الشيرازي: صدر الدين/الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، 2/ 13.
(117)- المرجع السابق، ص21.
(118)- الكليني/الأصول من االكافي، 2/352.
(119)- الشيرازي: صدر الدين/المبدأ والمعاد، ص387.
(120)- ظ المظفر: محمد رضا/أصول الفقه - مبحث (الإجزاء)، 2/212.
 (121)– وهذا ما استدل به الإمام أبي عبد الله ع في إثبات ضرورة وجود النبوَّة، فقال: «إنا لما أثبتنا أن لنا خالقًا صانعًا متعاليًا عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيمًا متعاليًا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز، وهم الأنبياء (عليهم السلام) وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شيء من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته...- الكليني/الأصول من الكافي، 1/168.
(122)- الوحيد الخراساني/منهاج الصالحين، 1/57.
(123)- م. ن.، 1/59.
(124)- الحلبي: أبو الصلاح تقي الدين (ت: 447 هـ‍)/الكافي للحلبي، تحقيق: رضا أستاذي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة – أصفهان، ص67.
(125)- سورة الكهف/56.
(126)- سورة ق/45.
(127)- سورة الغاشية/21.
(128)- الإمام علي بن أبي طالب ع/نهج البلاغة - بشرح محمد عبده، 1/23.
(129)- الخوئي/البيان في تفسير القرآن، ص35.
(130)- المفيد/المقنعة، ص30-31.
(131)(131)- قُسمت معاجز النبي (صلى الله عليه وآله) قسمان: الأول وقتية ، والآخر دائمية تمثلت بالقرآن الكريم. ومن المعاجز الوقتية التي نُقلت:
 أولًا: ما نطق به القرآن من انشقاق القمر، وأنه رؤي منقسمًا بقطعتين. قال تعالى : (اقتربت الساعة وانشق القمر) سورة القمر/1. وكانت هذه المعجزة ردًا على طلب قريش من الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يريهم آية. الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين (ت436هـ)/مجموعة في فنون من علم الكلام، تحقيق: محمد حسن آل يسين، مطبعة المعارف، ط2، 1955م، ص70.
 ثانيًا: الإسراء والمعراج، حيث أجمع المسلمون على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أُسرِي به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به بعد ذلك إلى السماء. قال تعالى:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) سورة الإسراء/1. ظ البخاري: أبو عبد الله محمد بن اسماعيل (ت: 256هـ)/الجامع الصحيح، دار الفكر- بيروت (طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول)، 1401هـ-1981م، 2/326، مسلم النيسابوري: أبو الحسين بن الحجاج القشيري (ت:261هـ)/صحيح مسلم، دار الفكر – بيروت، 3/2.
ثالثًا: إخباره بالمغيّبات الكائنة بعده بزمان، كقوله (صلى الله عليه وآله) في عمار بن ياسر(ت37هـ) تقتلك الفئة الباغية، وإخباره عليًا ع بأنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فكان ذلك كله على ما أخبر به. المفيد: محمد بن محمد بن النعمان (ت: 413هـ)/كتاب الأمالي، تحقيق: الحسين استاد ولي، منشورات جماعة المدرسين – قم المقدسة، المطبعة 1993م، ص72.
 رابعًا: حديث الاستسقاء، وأنّ المطر دام فأشفق من خراب أبيات المدينة، فقال (صلى الله عليه وآله): (حَوالَينا ولا علينا)، فطلعت الشمس على المدينة، والمطر يهطل على ما حولها. وخامسًا: أنه كان يخطب، مستندًا إلى جذع، فلماّ تحوّل يخطب عن منبره حنّ إليه الجذع كما تحنّ الناقة، حتى نزل إليه فالتزمه فسكن حنينه... وغيرها. الشريف المرتضى/مجموعة في فنون من علم الكلام، ص70.
(132)- سورة الأنبياء/104.
(133)- الطباطبائي: محمد حسين/الميزان في تفسير القرآن، 6/257.
(134)- الصدر: محمد مهدي/أخلاق أهل البيت، ص13.
(135)- سورة مريم/41.
(136)- سورة يوسف/68.
(137)- سورة يوسف/24.
(138)- سورة آل عمران/45.
(139)- في قوله تعالى:)وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا...(- سورة البقرة/ 31.
(140)- في قوله تعالى:)ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(- سورة الإسراء/3.
(141)- في قوله تعالى:)وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا(- سورة مريم/54 .
(142)- في قوله تعالى:)...وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(- سورة النساء /164.)وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ...(- سورة الإسراء/ 101 .
(143)- في قوله تعالى:)...وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(- سورة النمل/ 15.)...اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(- سورة سبأ / 13.
(144)- في قوله تعالى:)وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(- سورة الأنبياء/ 83.
(145)- في قوله تعالى:)فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ(- سورة الصافات/ 143.
(146)- الرازي: فخر الدين محمد بن عمر/مفاتيح الغيب، مفاتيح الغيب المسمى بـ (التفسير الكبير)، دار الكتب العلمية – بيروت، ط3 ، 13/70.
(147)- الحر العاملي/وسائل الشيعة، 3/260.
(148)- المجلسي/بحار الانوار، 75/260.
(149)- سورة الأنعام/83-90.
(150)- الرازي/مفاتيح الغيب، 6/209.
(151)- م. ن. ، 6/210.
(152)- سورة القلم/4.
(153)- المازندراني/شرح أصول الكافي، 6/53.
(154)- ناصر مكارم الشيرازي/الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 18/522.
(155)- ابن عربي/الفتوحات المكية، 1/146.
(156)- سورة آل عمران/31.
(157)- سورة الأحزاب/21.
(158)- لمّا سُئلت أم المؤمنين عائشة عن خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: «خُلُقه القرآن» - أحمد ابن حنبل: أبو عبد الله بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي (ت:241هـ)/مسند أحمد، دار صادر – بيروت، 6/163.
(159)- الإمام علي بن أبي طالب ع/ نهج البلاغة – بشرح محمد عبده، 2/ 58- 59 ، القضم: الأكل بأطراف الأسنان، بمعنى أنه أكل اليابس، و (أهضم) من الهضم: وهو خمص البطن أي خلوها وانطباقها من الجوع. والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وأخمصهم: أخلاهم، ظ شرح 2/ 58- 59..
(160)- سورة البقرة/44.
(161)- الحر العاملي/وسائل الشيعة، 16/152.
(162)- قال البغدادي: البيت وجِد في عدة قصائد، و اختُلف في قائله، فنسبه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل بن عبد الله الليثي الكناني. ونسبه إليه أيضًا الآمدي في المؤتلف والمختلف، ونسبه إليه أيضًا أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني، وكذلك نسبه إليه الزمخشري في المستقصى، ونسبه سيبويه للأخطل، ونسبه الحاتمي لسابق البربري. ونُقل السيوطي عن تاريخ ابن عساكر أنه للطرماح. والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي، قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: الصحيح أنه لأبي الأسود. فإن صح ما ذكر عن المتوكل فإنما أخذ البيت من شعر أبي الأسود، والشعراء كثيرا ما تفعل ذلك... البغدادي: عبد القادر بن عمر (ت: 1093هـ)/خزانة الأدب تحقيق: محمد نبيل طريفي،إميل بديع اليعقوب دار الكتب العلمية – بيروت،ط1 (1998م)، 8/565-569.
(163)- سورة هود/88.
(164)- الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت: 505هـ)/إحياء علوم الدين - كتاب تهذيب الأخلاق، دار المعرفة – بيروت، 3/56.
(165)- ابن مسكويه/تهذيب الأخلاق، ص41.
(166)- م. ن. ، ص44.
(167)- م. ن. ، ص14.
(168)- م. ن.
(169)- الغزالي/إحياء علوم الدين- كتاب تهذيب الأخلاق، 3/56.
(170)- م. ن.
(171)- المصدر السابق، 3/55.
(172)- سورة النازعات/41-42.
(173)- الكليني/الأصول من الكافي، 2/71-72.
(174)- الطباطبائي: محمد حسين/الميزان في تفسير القرآن، 20/192-193.
(175)- سورة النجم/32.
(176)- سورة الشمس/9-10.
(177)- الزمخشري/الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، 4/259.
(178)- الطوسي/التبيان في تفسير القرآن، 10/359.
(179)- الطباطبائي: محمد حسين/الميزان في تفسير القرآن، 7/66.
(180)- الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت: 405هـ)/المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشي، دار المعرفة – لبنان، 2/613.
(181)- البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين (ت: 458هـ)/السنن الكبرى، دار الفكر، 10/192.
(182)- مسلم: أبو الحسين بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت:261هـ)/ صحيح مسلم، دار الفكر – بيروت، 7/78.
(183)- الكليني/الأصول من الكافي، 2/102.
(184)- م. ن. ، 2/56.
(185)- الحر العاملي/وسائل الشيعة، 11/434.
*- قال ابن خلّكان: هي، أم الخير رابعة ابنة إسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك الصالحة المشهورة كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة...وكانت إذا جنَّ الليل قامت إلى سطح لها ثم نادت إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك أيها المحبوب فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة عتقي من النار...كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر ،فتقول يا نفس كم تنامين وإلى كم تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلّا لصرخة يوم النشور. - ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد (ت: 681هـ)/وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة – لبنان، 2/286-287.
(186)- عبد الرحمن بدوي/شهيدة العشق الإلهي – رابعة العدوية، مكتبة النهضة المصرية، ط2 (1962م)، ص17.
** - هو: «أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمان المروزي الأصل، بغدادي المسكن، العارف الزاهد المشتهر أحد أركان رجال الطريقة، قيل إنه كان من أولاد الرؤساء والكتّاب، وكان من أهل المعازف والملاهي فتاب» عباس ألقمي: عباس بن حيدر القمي النجفي (ت: 1359هـ)/الكُنى والألقاب، تقديم: محمد هادي الأميني، مكتبة الصدر - طهران، 2/167.
(187)- العلّامة الحلي: الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 726هـ)/منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، تحقيق: عبد الرحيم مبارك، انتشارات تاسوعاء - مشهد، لهادي – قم، ط1 ، ص59.
(188)- ابن مسكويه/تهذيب الأخلاق، ص44-45.
(189)- م. ن.، ص75.
(190)- الغزالي/إحياء علوم الدين - كتاب تهذيب الأخلاق ، 3/56 .
(191)- النراقي: محمد مهدي بن أبي ذر الكاشاني (ت: 1209هـ)/جامع السعادات، تحقيق وتعليق: محمد كلانتر، تقديم: محمد رضا المظفر، دار النعمان، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، 1/45.
(192)- ابن عربي/الفتوحات المكية، 1/146.
(193)- مسلم النيسابوري/صحيح مسلم، 8/41-42. وفي نفس المعنى: ظ البخاري/الجامع الصحيح، 4/122، 154 ، الحاكم النيسابوري/المستدرك على الصحيحين، 3/243.
(194)- الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت: 360هـ)/المعجم الأوسط، تحقيق: معاذ أبو الفضل وآخرون، دار الحرمين – القاهرة، 1995م، 6/334-335 ، الهيثمي: نور الدين علي بن أبي يكر (ت: 807هـ)/مجمع الزوائد، دار الكتب العلمية – بيروت، 1988م، 5/208 ، المتقي الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (ت: 975هـ)/كنز العمال، ضبط وتفسير: بكري حياني، تصحيح وفهرسة: صفوة السقا، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1989م، 13/322.
(195)- الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت: 381هـ)/علل الشَّرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبوعاتها – النجف الأشرف، 1966 م، 1/83.
(196)- الكليني/الأصول من الكافي، 2/2.
(197)- م. ن. ، 8/177.
(198)- الصدوق/علل الشَّرائع، 1/83.
(199)- الكليني/الأصول من الكافي، 1/160.
(200)- ظ الشيرازي: صدر الدين/المبدأ والمعاد، ص611 وما بعدها، وإضافة إلى ما توصلوا إليه بالدليل العقلي، عضّدوا ذلك بما ورد عن الأئمة علهم السلام من أخبار، منها: «عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عز وجل أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كوّن عندما كوّن؟ فوقع بخطه: لم يزل الله عالمًا بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء» وعن فضيل بن سكرة، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك فقال بعضهم: قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئا من خلقه، وقال بعضهم: إنما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا: إن أثبتنا أنه لم يزل عالمًا بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره. في أزليته ؟ فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره؟ فكتب عليه السلام: ما زال الله عالما تبارك وتعالى ذكره» - الكليني/الأصول من الكافي، 1/107-108. .
(201)- كمال الحيدري/مقدمة في علم الأخلاق، مؤسسة الإمام الجواد للفكر والثقافة – قم المقدسة، 1427هـ، ص81.
(202)- م. ن.، ص82.
(203)- جعفر السبحاني/لب الأثر في الجبر والقدر – تقريرًا لمحاضرات السيد الخميني، مؤسسة الإمام الصادقع - قم، اعتماد – قم، ط1 (1418هـ)، ص113.
(204)- سورة الإسراء/18-20.
(205)- المنتظري: حسين علي/من المبدأ إلى المعاد، ص229-230.
(206)- م. ن. ، ص230.
(207)- جعفر السبحاني/لب الأثر في الجبر والقدر، ص112.
(208)- الطباطبائي: محمد حسين/الميزان في تفسير القرآن، 8/97.
(209)- جعفر السبحاني/لب الأثر في الجبر والقدر، ص118.
(210)- الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت: 620هـ)/الاحتجاج، تعليق وملاحظات: محمد باقر الخرسان، دار النعمان - النجف الأشرف، 1966 م، 2/82-85.
(211)- الغزّالي: أبو حامد/كيمياء السعادة، مكتبة المصطفى الإلكترونية www.al-mostafa.com، ص5.
(212)- عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني/الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم - دمشق، ط5 (1999م) ، 2/123.
(213)- الغزالي/إحياء علوم الدين - كتاب شرح عجائب القلب، 3/8.
(214)- م. ن.، 2/124.
(215)- الغزّالي/كيمياء السعادة، ص5.
(216)- سورة العنكبوت/69.
(217)- سورة النساء/165.
(218)- ظ محمد مصطفى شلبي / المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي، ص284.
(219)- ما نقله مسلم وغيره عن ماعز بن مالك الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إني أصبت فاحشة، فردّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرارًا، قال: ثم سأل قومه أبِهِ بأس؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فأمرنا أن نرجمه... ظ مسلم النيسابوري/صحيح مسلم، 5/118، ابن حبان: أبو حاتم محمد (354هـ)/صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 (1993م)، 10/ 286 ، البيهقي/السنن الكبرى، 8/227.


  الجزء الأول     الجزء الثاني

السبت، 26 أكتوبر 2013

التشريع السَّماوي للأخـــلاق 1-2

بحث علمي حاصل على قبول بالنشر من قبل:
 مجلة  كلية الفقه/جامعة الكوفة هنــــــا

The Heavenly Legislation of Morales
 (Summary)
The abstract mind is able to recognize some of the worship kinds in sentence before been dealt by shaer’a. It also can recognize that all worships are moral-mental acts before been legal orders; because they contain thanks for the great Giver obedience to pray to His Almighty, but the details of these worships can not be recognize by mind or reason; because it is not acquainted with the causes of Al-ahkam (rules).
To be follow the legal rules is a branch of the doctrinal rules, the Muklaf who do not have a certain doctrine can not obey or follow its orders, besides his works and worships would not be accepted by His Almighty God without a belief of a certain doctrine.
The psychical morals are not subjective features of Man, they are submitted to changes by practice and exercises, for example child accepts education and the mature Man accepts the psychical education if he determines to do it, and that is one of God’s grace to make his worshipers accept all conditions by practice and exercises, hence the Heavenly rules focuses on educating spirit by worship and the good morals.

توطئــــة: الخُلُق الإنساني مثار خلاف بين باحثي علم الأخلاق، منذ أن ولدت الفلسفة الإغريقية وإلى يومنا هذا؛ لأنه يقوم على مفهومات تثير الجدل والنزاع، حتى قيل أنه «ليس بين العلوم الفلسفية علمٌ كالأخلاق في كثرة مذاهبه وتعدد وجهات النظر في مشاكله... ومرد الخلاف - فيما يظن التجريبيون - هو اختلاف النَّاس في كل زمان ومكان في فهمهم للمثل الأخلاقي الأعلى...»(1).



ومن ذلك موقفهم من ماهيّة الحسن والقبح العقليين أو الشَّرعيين، والباعث على الفعل الإرادي لها.. هل هو عقلي ضروري أولي، أو أنه اعتباري تواضعت عليه المجتمعات لتصفو معيشتها وتنتظم حياتها، أو أنه لا هذا ولا ذاك، وإنما الوازع الديني هو الذي يضطرهم إليه؟ وإذا ما عُرفت الأخلاق، فما الغاية التي تهدف إلى تحقيقها، هل هي سعادة الفرد أو المجتمع؟ هل هي سعادة مادية دنيوية؟ أو أنَّ هدفها أسمى من ذلك؛ كونها ترنو إلى سعادة الخلود الذي لا انقطاع له؟.. إلى غير ذلك من الاختلافات.
 يختلف التشريع السماوي للأخلاق عن التشريع العقلي لها. فمهما كانت درجة الإلزام العقلي للأخلاق لا تتعدى أكثر من التحسين والتقبيح للأفعال، دون أنْ تُلزم المكلَّف بآثار تلك الصفات من حيث الثواب أو العقاب. على عكس الإلزام الأخلاقي في التشريع السماوي، فهو مبتني على مبدأي الثواب والعقاب، فمَن امتثل له، تفضّل الله ع عليه بالثواب، ومَن عصى استحق منه - تعالى - العقاب. إضافة إلى أنَّ أثر هذا التشريع لا يظهر على سلوك المكلّف إلّا إذا تحلّى بعقيدة راسخة، تكون هي الباعثة على فعل الحسن والزاجرة عن فعل القبيح، وبمعنى آخر تكون بمثابة الرقيب الداخلي، وبه فليس هناك حاجة إلى رقيب من خارج، وهذا ما لا وجود له في التشريع غير السماوي.
 ولأجل الوقوف على أثر التشريع السماوي في خُلُق المكلّف، ومعرفة ما إذا كان بمقدوره ترسيخ أوامره ونواهييه في نفس المكلّف، وإمكانية صيرورتها طباعًا له، أم لا.. سيتم تناول الموضوع في ثلاثة مباحث، هي:
- الأول: أحكام الأخلاق بين التأكيد والتأسيس.
- الثاني: العقيدة وأثرها في الأخلاق.
- الثالث: أثر التشريع السَّماوي في تغيير الخُلُق.
أحكام الأخلاق بين التأكيــد والتأسيـــس
لما ترجَّح عند متكلمي العدلية –الإمامية والمعتزلة- استقلالية العقل بدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها، وحكمه بإتيان ما ينبغي والانتهاء عمّا لا ينبغي، ظهرت على السطح مسألة ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشَّرع، وعدم ثبوتها.. إذ بالأولى تكون الأحكام الشَّرعية خبرية تأكيدية، وبالثانية تكون إنشائية تأسيسية. بمعنى: لو أنَّ العقل استقل بحسن فعل ما، فهل بإمكانه أيضًا البعث على فعله وتأسيس الحكم له دون الحاجة إلى الحكم من الشارع المقدس؟ وإذا ما صدر الحكم من الشارع المقدس، فهل يحكم بنفس ما حكم به العقل؟ أي يكون لمجرد تأكيد الحكم العقلي في البعث. أو لا.. ليس للعقل - وإن استقل بحسن فعل ما – القدرة على البعث، وإنما الشارع هو الذي يحكم بذلك ويؤسس له؛ لإحاطته تعالى بملاكات الأحكام وحيثياتها من المصالح والمفاسد؟
هذه المسألة بُحثت في الفكر الإسلامي أول ما بُحثت في علم الكلام، وبها تعددت الفرق الكلامية، إلّا أنَّ الأصوليين هم الذين وسّعوا البحث فيها وأثرَوْا تفرّعاتها.. ومن هنا فلابد من الوقوف على آراء الأصوليين في هذه المسألة، ومعرفة القول الراجح من بينها.
انقسم الفقهاء والأصوليون في مسألة الملازمات العقلية - بين حكم العقل وحكم الشارع على وفقه - ثلاثة أقسام، وتبع أغلبهم في ذلك مدارسهم الكلامية، فقال أصوليو المعتزلة بأن الأحكام الشَّرعية كلها أحكام تأكيدية لحكم العقل فيها، وتبعهم على ذلك فقهاء المذهب الحنفي، أما الأشاعرة، وفقهاء الإمامية من الإخباريين، فقالوا أن الأحكام كلها تأسيسية؛ لأنهم أنكروا التحسين والتقبيح العقليين، وأنكروا الملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشارع، ووقف أصوليو الإمامية موقف التفصيل في الأحكام بين التأكيد والتأسيس.
وفيما يأتي طرح لآراء بعض أعلام الفقهاء والأصوليين من هذه المدارس في المطالب الآتية.
القائلون بأنها أحكام تأكيدية
أولًا: المعتزلـة
ذهب المعتزلة إلى أن أحكام الله تعالى في الواجبات والمحرمات أحكام تأكيدية؛ لأن العقل يحكم فيها بالوجوب والحرمة، فما كان حسنًا يحكم بوجوبه وما كان قبيحًا يحكم بحرمته، والشارع كاشف ومبيِّن لا مُثبِت، وليس له تعكيسها، أي لا تتعلق قدرته بجعل الحسن قبيحًا أو جعل القبيح حسنًا؛ لأنها صفات ذاتية في الأفعال. فالصِّدق في نفسه حسن، والكذب في نفسه قبيح، وفعل الصَّلاة في نفسه حسن، والزنا في نفسه قبيح، ولولا ذلك لما أمر بالأول ونهى عن الثاني.
يرى القاضي عبد الجبار، أنه لما وجَبَ على المكلَّف النظر في معرفة الله تعالى بذاته وصفاته، وجَبَ عليه معرفة ما يتفرّع على ذلك من أحكام فقهية، كوجوب الصلاة على الجملة، ووجوب الزكاة والحج والجهاد في سبيل الله تعالى، وما يجري هذا المجرى(2). وغالى بعضهم بقوله: أنَّ «العقل يوجب معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشَّرع، وعليه يعلم أنه إن قصَّر ولم يعرفه ولم يشكره عاقبه عقوبة دائمة، فأثبتنا التخليد واجبًا بالعقل»(3).
 ونُقل إجماعهم على أنَّ النَّاس محجوجون بعقولهم، مَن بلغه خبر الرسول ومَن لم يبلغه(4) وأنَّ العقول تعمل بمجردها من السمع، إلّا أنَّ المعتزلة البغداديين يوجبون الرسالة في أول التكليف(5). ومنه قول الزمخشري: أن الرسل منبِّهون عن الغفلة وباعثون على النظر، وتبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين، وبيان أحوال التكليف وتعليم الشَّرائع، فكان الغرض من إرسالهم هو إزاحة للعلَّة، وتتميمًا لإلزام الحجّة، لئلَّا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولًا فيوقظنا من سِنة الغفلة وينبّهنا لما وجب الانتباه له(6). وإلاّ فالعقل وحده كافٍ لمعرفة الله تعالى وما أوجبه وحرّمه من الأفعال، والدليل على ذلك أمر الله تعالى لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) بقوله:)قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ((7) فقوله (نُهيت) أي «صُرِفتُ وزُجِرتُ بما رُكِّب فِيَّ من أدلة العقل(8).. أما البيّنات التي جاء بها الرسول فهي مقوية لأدلة العقل ومؤكِّدة لها ومضمِّنة ذكرها، نحو قوله تعالى:)قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ((9) وأشباه ذلك، إذ ذكر أدلة السمع كي تناصر أدلة العقل، ولعل أدلة السمع أقوى في إبطال مذهبهم، وإن كانت أدلة العقل وحدها كافية(10).
 قسَّم المعتزلة أحكام الأفعال الخارجة عن الاضطرار - وإنْ لم يرد بها شرع - ثلاثة أقسام(11):
الأول: ما حسَّنه العقل، وهو الواجب(12)والمندوب، فالواجب ما لحق الذم بتركه، سواء كان مقصودًا لنفسه، كالإيمان، أو لغيره، كالنظر المفضي إلى معرفة الله تعالى، والمندوب ما ترجَّح فعله على تركه، وإنْ لم يلحق الذم بتركه.
الثاني: ما قبَّحه العقل، وهو الحرام والمكروه، فما التحق الذم بفعله فهو الحرام، وإلا فمكروه.
الثالث: المباح، وهو ما استوى فعله وتركه في النفع والضرر.
وعلى الرغم من تقسيمهم الأحكام وفق التقسيم العقلي، إلا أنهم قالوا أن هناك أفعالًا لايستقل العقل بمعرفتها «كحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم الذي بعده؛ فإن العقل لا طريق له إلى العلم بذلك، لكن الشَّرع لما ورد بتشريعها، عُلِم اختصاص كل واحد منهما بما لأجله من حسن وقبح، وإلا لامتنع ورود الشَّرع به»(13).
ثانيًا: فقهاء المذهب الحنفي
ويذهب إلى نفس المذهب الفقه الحنفي، إذ قال فقهاؤه بقدرة العقل على إدراك الحسن والقبح في الأشياء قبل ورود السمع، ومِنهم مَنْ أعطى العقل قوّة التشريع وإمكانية إدراكه لملاكات الأحكام ومصالحها ومفاسدها. إذ ذهب الجصَّاص (ت: 370هـ) إلى أنَّ حكم الأشياء - في العقل - قبل مجيء السمع ثلاثة أنحاء(14):
الأول: واجب، وهو لا يجوز فيه التغيير و(التبديل)، كالإيمان بالله وشكر المنعم، ووجوب الإنصاف.
الثاني: محظور، وهو قبيح لنفسه، لا يتبدل ولا يتغير عن حاله، كالكفر والظلم، فلا يختلف حكمه على المكلَّفين.
والثالث: مباح، وهو كل ما لم يكن من القسمين الأولين، ويكون ذو جواز في العقل، يجوز إباحته تارة، وحظره أخرى، وإيجابه أخرى، على حسب ما يتعلق بفعله من منافع المكلَّفين ومضارهم.
واستدل على إباحة القسم الثالث من الأشياء، بأنها مخلوقة لمنافع المكلَّفين؛ لأن «خَلْقها لا يخلو من أحد أربعة معان. إما: أنْ يكون الله تعالى خلقها لا لينفع أحدًا، وهذا عبث وسفه والله تعالى منزّه عنه، أو يكون خلقها ليضرَّ بها من غير نفع، وهذا أشنع وأقبح، ولا يجوز فعله على الله تعالى، أو أنْ يكون خلقها لمنافع نفسه، وذلك محال لأنه لا يلحقه المنافع والمضار. فثبت أنه خلقها لمنافع المكلَّفين»(15). وقال: هذا حكم العقل، أما حكم السمع فقد أكّدته الآيات في قوله تعالى:)وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ...((16) فأخبر أنَّ ما لم يدل على تحريمه فلا تبعة على فاعله. فقد جاء السمع بتأكيد ما كان في العقل إباحته(17)، ومنه أيضًا، قوله تعالى:)وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ...((18)، وقوله تعالى:)قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...((19) و)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ...((20).. وغيرها كثير.
وذهاب الحنفية إلى حُجّية القياس - المبتني على القول بالرأي – يُفضي إلى إعطاء العقل قوّة التشريع حتى بعد ورود الشرع. يقول السرخسي (ت: 490هـ): «مذهب الصحابة ومَن بعدهم... جواز القياس بالرأي على الأصول التي تثبت أحكامها بالنص لتعدية حكم النص إلى الفروع، جائز مستقيم يُدان الله به، وهو مدرك من مدارك أحكام الشرع»(21) ثم استدل على قوله بالكتاب وسنّة الصحابة والدليل العقلي للردّ على مَن أبطل العمل بالقياس؛ كونه تشريع في ما لا نصّ فيه(22). على أنَّ ابن عابدين - من متأخري الحنفية – يرى أنَّ العقل مدركًا لا حاكمًا، أي ليس له الحكم بالحرمة أو الحِلّية، وإنما ذلك لله تعالى. يقول: «العقل مُدرك لحُسن بعض المأمورات وقُبح بعض المنهيَّات فيأتي الشرع حاكمًا بوفق ذلك، فيأمر بالحسن وينهى عن القبح»(23).
القائلون بأنها أحكام تأسيسية
أولًا: الأشـاعرة
ذهب الأشاعرة إلى عدم قدرة العقل على إدراك الحسن والقبح في الأفعال وإنما الطريق إليه هو الشَّرع، ولذا أنكروا الملازمات العقلية، واعتبروا كل الأحكام الواردة من الشارع إنما هي إنشائية وتأسيسية لقوانين الشَّريعة. فما أوجبته الشَّريعة فهو حسن وما نهت عنه فهو قبيح. وكل القواعد العقلية التي قال بها المعتزلة إنما هي سمعية لا عقلية، فشكر المنعم مثلًا، لا يُستدرك وجوبه بالعقل؛ لأنه لا بد من تخيل غرضٍ لذلك وهو ما لا وجود له.
واستدل على ذلك الغزَّالي، بقوله: إنْ كان في ذلك فائدة فلا بد أن تعود إما إلى المشكور أو إلى الشاكر، والأول محال لأنه تعالى منزَّه عن الأغراض، أما الثاني - الشاكر- فلا يلذ به في الحال بل يُتعب نفسه وحسب، وإذا قيل أنه سيثاب على شكره في الآخرة ويعاقب على كفره(24)، فهذا «خيال فاسد مستنده تخيل غرض في الشكر والمعرفة وهما متساويان عند الرب فلا تمييز... وقد يخطر للعبد أنه إن نظر وشكر ربما يعاقب، فإنه عبد مرفَّه أمدّه الله تعالى بأسباب التنعم فلعله خلقه للترفَّه فإتعابه نفسه تصرف منه في مملكته من غير إذنه»(25). وعضّد قوله بالتمثيل بمَنْ تصدَّق عليه السلطان بكسرة من رغيف في غير مخمصة، فأخذ يدور في البلاد وينادي على رؤوس الأشهاد يشكره، لا شك كان ذلك خزيًا وافتضاحًا للسلطان، وجملة إنعام الله تعالى على عباده بالنسبة إلى مقدوراته دون ذلك بالنسبة إلى السلطان(26).
ثم أجزم بأن لا حكم قبل ورود الشَّرع، والقول بحظر بعض الأشياء قبل ورود الشَّرع فهو «تحكَّم لا يُدرك بنظر العقل ولا بضرورته إذ لا يرتبط بالانزجار غرض، ولا يمكن تقديره في الإقدام»(27)، ولذا فكل شيء مباح قبل ورود الشَّرع، بمعنى تساوي الإحجام والإقدام، لا بمعنى أنها حكم من أحكام الله، لأن حكم الله خطابه، فمن المبلِّغ ولا رسول؟(28).
وفي المحصول للرازي، أنّ حسن الأشياء وقبحها لا يثبت إلاّ بالشَّرع، ومنه شكر المنعم، فهو غير واجب عقلًا.. واستدل على ذلك بالنقل والعقل(29) أما الأول، فقوله تعالى:)...وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا((30) وقوله تعالى:)رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ...((31).
وأما الثاني - العقلي- فهو نفس استدلال الغزّالي الذي سبق ذكره، إلا أنه أضاف إليه قوله: لعل الشاكر «لا يهتدي إلى الشكر اللائق فيأتي بغير اللائق فيستحق العقاب، و... لو صح التحسين والتقبيح العقلي لما أمكن القول بإيجاب الشكر لا عقلًا ولا شرعًا، وقد ثبت لنا ذلك، بقي أن يقال فأنتم كيف أوجبتموه شرعًا، قلنا: لأن من مذهبنا أن أحكام الله تعالى وأفعاله لا تُعَلل بالأغراض، فله بحكم المالكية أن يوجب ما شاء على من شاء من غير فائدة ومنفعة أصلًا، وهذا مما لا يتمكن الخصم من القول به فسقط السؤال»(32). وردَّ على من يقول أن وجوبه معلوم بالضرورة مطلقًا، ومن أنكر ذلك فهو مكابر، بقوله: «أحلف بالله تعالى وبالأيمان التي لا مخارج منها أني راجعت عقلي وذهني وطرحت الهوى والتعصب فلم أجد عقلي قاطعًا بذلك في حق من لا يصح عليه النفع والضرر، بل ولا ظانًا فإن كذبتمونا في ذلك كان ذلك لجاجًا ولم تسلموا من المقابلة بمثله أيضًا»(33).
أما حكم الأشياء قبل الشَّرع عند الرازي، ففيها وجهان(34):
الأول: إذا كان انتفاع المكلَّف فيها اضطراريًا كالتنفس في الهواء وغيره، فهو غير ممنوع عنه قطعًا.
الثاني: أن لا يكون اضطراريًا كأكل الفواكه وغيرها، فموقوف؛ لأن «قبل الشَّرع ما ورد خطاب الشَّرع، فوجب أن لا يثبت شيء من الأحكام، لما ثبت أن هذه الأحكام لا تثبت إلا بالشَّرع»(35).
تجدر الإشارة إلى أنَّ الآمدي قد تابَعَ الغزّالي والرازي في استدلالهما النقلي بالآيتين الكريمتين الآنفتي الذكر في استلزام انتفاء الوجوب والحرمة قبل بعثة الأنبياء، وإلاّ لما أمِن من العذاب بتقدير ترك الواجب، وفعل المحرم، إذ هو لازم لهما. واستدل عقليًا، بأن ثبوت الحكم إما بالشَّرع أو بالعقل بالإجماع، ولا شرع قبل ورود الشَّرع، والعقل غير موجِب ولا محرِّم، إذن فلا حكم(36).
ووافق الآمدي القائلين بالإباحة إن فسَّروها بنفي الحرج عن الفعل والترك، إلا أنه اختلف معهم في صحة إطلاق لفظ الإباحة بإزائه. لامتناع إطلاق لفظ الإباحة على أفعال الله تعالى مع تحقق ذلك المعنى فيها. «وإن فسَّروها بتخيير الفاعل بين الفعل والترك، فإما أن يكون ذلك التخيير للفاعل من نفسه وإما من غيره: فإن كان الأول، فيلزم منه تسمية أفعال الله مباحة، لتحقق ذلك في حقه، وهو ممتنع بالإجماع. وإن كان الثاني، فالمخير إما الشَّرع وإما العقل بالإجماع، ولا شرع قبل ورود الشَّرع»(37) وإن كان تخيير العقل عندهم فرع الحسن والقبح العقلي، فهو باطل(38).
وإذا كان الأشاعرة يؤكَّدون على إنشائية الأحكام في التحسين والتقبيح، وأنها كلها من تأسيس الشَّرع، فقولهم في أحكام العبادات أوكد.
ثانيًا: الفقهاء الإخباريون من الإماميـة
ظهر الإخباريون في القرن الحادي عشر للهجرة، وتأسست مدرستهم العلمية على يد الميرزا محمد أمين الاسترآبادي (ت: 1033هـ)(39)، الذي صرَّح في كتابه (الفوائد المدنية) بعدم استقلالية العقل بالحسن والقبح، وحمل حملة شعواء على من استعمل العقل في استنباط الأحكام الشَّرعية، وبذل جهده في الحد من تدخل العقل، كما وجه حملته على المناطقة والفلاسفة الطبيعيين والإشراقيين بقوله: «أنه لو كان المنطق عاصمًا عن الخطأ من جهة المادة لم يقع بين فحول العلماء العارفين بالمنطق اختلاف، ولم يقع غلط في الحكمة الإلهية وفي الحكمة الطبيعية وفي علم الكلام وعلم أصول الفقه كما لم يقع في علم الحساب وفي علم الهندسة»(40) .
وبيَّن أنَّ مذهبه لا يصيبه الخطأ؛ لتمسكه بكلام المعصومين (عليهم السلام)، فقال: «إنْ تمسّكْنا بكلامهم عليهم السلام فقد عُصِمنا من الخطأ وإنْ تمسّكْنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أنَّ العصمة من الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه»(41). والإخباريون يدّعون «أنَّ خطّهم الفكري في استنباط الحكم الشَّرعي يعود إلى عصر الفقهاء الأوائل، ويقولون بأن رأيهم في طريقة فهم الحكم الشَّرعي مثل ما رآه الشيخ الصدوق وكبار المحدثين»(42).. وهذا ما يفسِّر اختلافهم مع الأصوليين الذين محَّصوا الكتب الحديثية في استنباطهم للأحكام الشَّرعية.
وقد استقرأ البعضُ أهم المسائل التي اختلفت فيها المدرسة الأخبارية مع المدرسة الأصولية، فمنها قولهم بقطعية صدور كل ما ورد في الكتب الحديثيَّة الأربعة(*) من الروايات، بحجة أن أصحابها قد اهتموا بتدوين الروايات التي يمكن العمل والاحتجاج بها، وعليه يصح للفقيه التمسك بما ورد فيها من أحكام، وأيضًا ذهابهم إلى عدم جريان البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية لأنها تستند إلى العقل، كما نفوا حجية الإجماع، وحجية حكم العقل، والملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشَّرعي، ونفي الاحتجاج بالكتاب العزيز لطرو مخصصات من السنَّة ومقيِّدات على عمومه ومطلقاته(43). ولا يمكن أن تُستنبط الأحكام الشَّرعية منه إلا من خلال المعصوم ع الذي خوطب به؛ لقوله تعالى:)...وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ((44).
ويرى الاسترآبادي من خلال استقرائه لروايات أهل البيت (عليهم السلام)، أنها تواترت على أن الأرض لا تخلو من معصوم في كل زمان منصوب من قبل الله تعالى يوصل الحكم الإلهي إلى البشر ليكون حجة على النَّاس أجمعين من لدن آدم ع إلى انقراض الدنيا(45) أما في زمن الفترة وغياب المعصوم ع عن النَّاس وعدم تمكنهم أخذ كل الأحكام منه ع، فيُعدّون من القِسم الذي «لم تبلغه الدعوة و...لم يتعلق به تكليف أصلًا، أما بالمعارف؛ فلأنها من الله تعالى مطلقًا، وأما بغيرها؛ فلأنه يستفاد مما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) كما مر تحقيقه»(46).
وأكّد الاسترابادي على أن كل الأشياء قبل ورود الشَّريعة على الإباحة ولا يوجد شيء قبيح ولا يستلزم منه الحرمة، واستدل على ذلك بصريح الروايات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) في أن «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»(47) وأن «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(48)، أما بعد ورود الشَّريعة فهي التي تُحِلّ وتحرِّم، فما كان من الحلال والحرام بيِّنًا يجب العمل به، وإلاّ فالروايات صريحة في وجوب التوقف في كل واقعة لم يكن حكمها بيِّنًا(49). أما في زمن الغيبة الكبرى للإمام المنتظر ع، فيرى أن الله تعالى يوفق «بعض الرعيَّة بفهم الأحاديث المسطورة في الأصول الممهدة في زمن حضور الأئمة (عليهم السلام) ليعمل الشيعة بها إلى قيام القائم ع ويمهِّد له أسباب تحصيل العلم بجميع ما يحتاج إليه الشيعة في أعمالهم ولو بحديث وارد من باب التقية أو دال على رعاية الاحتياط على كيفية مخصوصة»(50).
القائلون بالتفصيــل
أصوليو الإماميـة
قالت الإمامية بثبوت الملازمة بين حكم العقل العملي والحكم الشَّرعي، فإذا حكم العقل - بما هو عقل - بحسن شيء أو قبحه فلا بد للشارع أن يحكم بمثله لأنه سيد العقلاء، وإنْ صدرت أوامره في هذا الباب فجميعها أوامر إرشادية لا مولوية. وهو قول أغلب أصوليي الإمامية (51).
 إذ ذهب متقدموهم إلى أنَّ العقل إذا استقل بحسن فعل أو قبحه فهو كذلك عند الله تعالى، ومنه قول الشيخ المفيد (ت:413هـ): «أنَّ الله تبارك وتعالى لا يحسِّن قبيحًا ولا يقبِّح حسنًا، إذ تقبيح الحسن وتحسين القبيح باطل، لا يقع إلا من جاهل بحقيقتهما، أو متعمد للكذب في وصفهما بغير صفتهما. والله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا»(52).
وأكّد الشيخ المفيد على أنَّ ما نهى الله تعالى عنه من القبائح لم تزل كذلك في كل الشَّرائع، مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والقتل والربا والزنا.. وردَّ على الشبهة التي توهم بأن الله تعالى حسَّن قبيحًا وقبَّح حسنًا، وحظر ما كان مباحًا وأباحَ ما كان محظورًا.. بأن ذلك في صفات الأفعال التي لا يستقل العقل بحسنها أو قبحها، وهي واقعة في باب المتزاحمات وملاكات المصالح والمفاسد التي لا يحيط بها إلّا الله تعالى. فقال: «وإنما تقبح الأفعال التي لا دليل في العقل على قبحها ولا حسنها، للعلم بالفساد بإباحتها، ويقبح حظرها للعلم بالاستفساد بتحريمها، وأحوال المكلَّف تتغير، فلتغيرها يحسن إباحتهم حينما كان نوعه محظورًا عليهم حينًا، ويحسن منعهم حينما كان نوعه لهم مطلقًا حينًا، وهذا باب لا يخفى معناه على متأمل له، ومفكِّر من أهل العقل»(53).
واتفقت الإمامية على أنَّ العقل وحده غير قادر على استنباط الأحكام الشَّرعية في غير المستقلات لعدم إحاطته بملاكات الأحكام؛ لذا فهو «غير منفك عن سمع ينبِّه العاقل على كيفية الاستدلال»(54). وأنَّ هناك من الأحكام ما يعجز العقل عن درك وجوبها أو حرمتها، ولا سبيل إليها إلاّ الشَّرع، وهي عند الشيخ الطوسي كل ما «لا يمكن معرفته بالعقل كالعبادات الشَّرعية من الصَّلاة والزَّكاة والصوم والحجّ وغير ذلك، وكقبح شرب الخمر والزنا وغير ذلك، فإنه لا مجال للعقل في العلم بذلك»(55).. وقال: «وأما الواجبات الشَّرعية فإنها فرع على معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، فهي متأخرة لا محالة»(56).
وذهب المحقق الداماد (ت: 1041هـ) إلى أنَّ العقل يستقل بالحسن والقبح في الأفعال، وفيه جهة مرجِّحة لأحدهما، أما الحكم السمعي الشَّرعي فهو كاشف عن الجهة العقلية، وحكم العقل بالنسبة إلى الفعل وجوب، وبالنسبة إلى الله تعالى إيجاب كونه هو الحاكم والشارع، فقال: «إن الحكم السمعي الشَّرعي الكاشف عن الجهة العقلية المرجِّحة المحسِّنة أو المقبِّحة في نفس ذات الفعل بالقياس إلى الفعل وجوب، وبالقياس إلى الله الحاكم الشارع جل سلطانه إيجاب، أو بالنسبة إلى الفعل حرمة، وبالنسبة إليه سبحانه تحريم»(57). وقوله هذا مستقى من نزعته الفلسفية في أنَّ «مقولتي أنْ يفعل وهي التحريك، وأنْ ينفعل وهي التحرّك، اعتباران مختلفان في مقولة الحركة، وهما والحركة متحدة بالذات مختلفة بالاعتبار»(58). أي لها ثلاثة اعتبارات، الأول: نفس الحركة وهي التصرّم والتجدد في المادة، والثاني: التحريك أو (أنْ يفعل) نسبة إلى السبب الفاعل المباشر، والثالث: التحرّك نسبة إلى الموضوع القابل أو (أنْ ينفعل) وهو الأثر الحاصل في الخارج .. فالحكم بالنسبة إليه سبحانه الذي شأنه الإفاضة والصنع والإيجاد (إيجاب وتوكيد)؛ لأنه سبحانه هو المحرِّك والجاعل الموجِب بالاقتضاء، أما بالنسبة للذات القابلة للفيض فهو تأكّد ووثاقة(59).
أما الإمامية المتأخرون والمعاصرون، فقد ذهب الشيخ الأصفهاني (ت:1361هـ) إلى أنَّ ما حكم به العقلاء(60) من التحسين والتقبيح العقليين كونهما من القضايا المشهورة التي توافقت آراؤهم عليها للمصلحة العامة أو للمفسدة العامة، لا محالة يكون حكم الشارع على وفقه؛ لأن هذه الأحكام لا يختص به عاقل دون عاقل وأنه بادي رأي الجميع لعموم مصلحته، والشارع من العقلاء بل رئيس العقلاء(61).
وفرّق الأصفهاني بين حكم العقل العملي وحكم العقل النظري، فالأول غير مستتبع للحكم الشَّرعي المولوي، إذ إدراكه وحده كاف للبعث والمحركيَّة، وأما حكم الشارع فيه فإنما هو تأكيد للبعث، واستدل على ذلك بأن المدح والذم عند العقلاء ما يعم الثواب والعقاب، أو بعبارة أخرى المُجازاة بالخير والمُجازاة بالشَّر.. ومن هنا أيّد مَنْ جزم بأن المراد من مدح الشارع هو ثوابه، وذمَّه عقابه(62)، لأن «موافقة التكليف الواصل عدل في العبودية فيستحق المدح والثواب، ومخالفته خروج عن زي الرِقيَّة فيكون ظلمًا على المولى فيستحق الذم والعقاب»(63) وهذا هو ملاك صحة البعث، لوجود الداعي العقلي بإمكان الانقياد، وحينئذ لا يُعقل جعل داعٍ بالإمكان بعد وجود داع آخر من قبله بالإمكان، ولا يعقل أن يحكم الشارع مولويًا على وفائه أيضًا، بل يحكم بحسنه أو قبحه على حد سائر العقلاء(64).
أما حكم العقل النظري فيستتبع الحكم الشَّرعي المولوي الإنشائي؛ لأن «مصالح الأحكام الشَّرعية المولوية التي هي ملاكات تلك الأحكام ومناطاتها لا تندرج تحت ضابط ولا تجب أن تكون هي بعينها المصالح العمومية المبني عليها حفظ النظام وإبقاء النوع، وعليه فلا سبيل للعقل بما هو إليها»(65).. وحتى وإنْ افترض أنَّ العقل أدرك مصلحة خاصة لبعض الأحكام بحيث كانت في نظره تامة الاقتضاء، فلا يستطيع الحكم به وفق الحكم المولوي للشارع؛ لأن الغرض من الواجب غير الغرض من الإيجاب(66). فالإيجاب «إنما يتحقق بتحقق علته التامة من المقتضي الموجود في الواجب الباعث على إيجابه ومن عدم المانع من إيجابه، فمجرد إحراز المقتضي لا يكفي في إحراز مقتضاه فعلًا»(67)؛ كون الإنشاء المولوي في البعث والزجر تابع للأغراض المولوية المنحصرة في المصالح والمفاسد بما فيها من متعلقات في عالم التزاحم(68).
وتابعه تلميذه الشيخ محمد رضا المظفر (ت: 1381هـ) في أنَّ الملازمة ثابتة عقلًا، فإذا تطابقت آراء العقلاء جميعًا - بما هم عقلاء - على تحسين شيء أو تقبيحه لما فيه حفظ النظام وبقاء النوع، لابد أن يحكم الشارع بما يحكمون، لأنه كسائر العقلاء بل رئيسهم(69).
وكل ما يَرِد في لسان الشَّرع من الأوامر في موارد المستقلات العقلية، إنما هو للإرشاد وتأكيد الحكم العقلي لا تأسيسًا له «حيث يفرض أن حكم العقل هذا كافٍ لدعوة المكلف إلى الفعل الحسن وانقداح إرادته للقيام به، فلا حاجة إلى جعل الداعي من قبل المولى ثانيًا، بل يكون عبثًا ولغوًا، بل هو مستحيل، لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل»(70).
وبيَّن أنَّ الالتزام بالتحسين والتقبيح العقليين هو نفس الالتزام بتحسين الشارع وتقبيحه، لا أنهما شيئان أحدهما يلزم الآخر؛ ولذا فإن أكثر الأصوليين والكلاميين لم يجعلوهما مسألتين بعنوانين، وعليه فلا وجه للبحث عن ثبوت الملازمة بعد فرض القول بالتحسين والتقبيح(71).. وأضاف: «أما نحن فإنما جعلنا الملازمة مسألة مستقلة فللخلاف الذي وقع فيها بتوهم التفكيك»(72). وذهب أيضًا إلى أنَّ ملاكات الأحكام الشَّرعية المولوية - المصالح والمفاسد - لا تندرج تحت ضابط درك العقول، ولذا فلا يجب أن تكون هي بعينها المصالح العمومية المبني عليها حفظ النظام العام وإبقاء النوع، كما في مناطات الأحكام في التحسين والتقبيح العقليين(73). وعلى هذا، «فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشَّرعية... لا سبيل له إلى الحكم بأن هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل، إذ يحتمل أن هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل، أو أن هناك مانعًا... ولأجل هذا... ليس كل ما حكم به الشَّرع يجب أن يحكم به العقل»(74) .. واستشهد لذلك بقول الإمام الصادق ع: «إنَّ دين الله لا يُصاب بالعقول»(75) ومنه عدم اعتبار القياس والاستحسان من الأدلة الشَّرعية على الأحكام عند الإمامية.
 تبقى الإشارة إلى أنَّ الشهيد محمد باقر الصدر عدَّ الأدلة السابقة غير تامة، ويرى، أنه لا ملازمة بين الحكم العقلي وحكم الشارع على طبقه، ولا بينه وبين عدم حكم الشارع على طبقه، وردَّ ذلك بوجهين:
الأول: لا يوجد شك في أن الشارع يُدرك ما يُدركه العقلاء - بما هم عقلاء - من الحسن والقبح، ولكن الكلام في أنه هل يجعل حكمًا تشريعيًا على طبقهما أم لا؟ .. والحق أنه لا مبرِّر لذلك، إذ لا برهان على لزوم صدور جعلٍ من الشارع يماثل ما يجعله العقلاء.
الآخر: أن حسن الأمانة وقبح الخيانة - مثلًا - وإن كانا يستبطنان درجة من المسؤولية والمحرّكية، إلا أن حكم الشارع على طبقهما يؤدي إلى نشوء مِلاك آخر للحسن والقبح غير الذي يستكشفه العقل والداعوية المحرّكية لهما، لأن حكم الشارع يكون على نحو طاعة المولى ومعصيته، وبذلك تتأكد المسؤولية والمحرّكية، فإن رأى فيها حفظ لواجبات العقل العملي حَكَمَ على طبقها، وإلاّ فلا(76).
أما في مجال حكم العقل النظري، فيتفق مع باقي الأصوليين من أن الأحكام الشَّرعية تابعة للمصالح والمفاسد. ولو افتُرض أن العقل النظري قادر - نظريًا - على إدراك الملاك لهذه المصالح والمفاسد بكل خصوصياته وشؤونه، فلا محالة أنه سيكتشف الحكم الشَّرعي بطريقٍ لمِّيٍ (بانتقاله من العلة إلى المعلول).. ولكن هذا الافتراض صعب التحقق من الناحية الواقعية في كثير من الأحيان، لضيق دائرة العقل، فقد يُدرك المصلحة في فعل ولكنه لا يجزم عادة بدرجتها وبمدى أهميتها ولذا لا يتم الاستكشاف(77).
العقيدة وأثرها في الأخلاق
العمل بالأحكام الشَّرعية هو فرع العلم بالأحكام العقدية، فما لم يقف المكلَّف على عقيدة ما، لا يمكنه الامتثال لأوامر ونواهي شارعها. كما أنَّ عمل المكلَّف نفسه مهما كانت درجة صلاحه وكماله لا يكون مرضيًا عند الله تعالى ما لم يكن نابعًا من عقيدة حقّة.
ولتوضيح هذا الأمر، سيتم تناول المبحث من خلال المطالب الآتية:
الأول: التوحيد الإلهي.
الثاني: التكليف والعبادة.
الثالث: النبوَّة (الطريق الموصل إلى العبادة).
المطلب الأول: التوحيد الإلهي
أصل المعرفة هو معرفة الله تعالى وتوحيده، وكل المعارف الأُخر إنما هي متفرعة عن التوحيد، فإذا عرف الإنسان أنه ليس للعالم إلا إلهًا واحدًا، أزليًا سرمديًا، عالمًا حكيمًا محيطًا قادرًا... خلق الأشياء فأحسن تقديرها وبث فيها قوانينها التكوينية والتشريعية، وأمر عباده بإتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه، وضمن لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأطمعهم بجنته وأخافهم بناره، فمن أطاع وأحسن وعده بالنعيم المقيم، ومن عصى وأساء توعّده بالعذاب الأليم، فلا محالة سيكون ذلك باعثًا له «إلى كل خير ويصرفه عن كل شر، ويحقق مجتمعه على أساس التصالح في البقاء، بعيدًا عن التنازع على البقاء»(78).
ولا يخفى أنَّ الأخلاق إذا «اعتمدت على هذه العقيدة لم يبق للإنسان هم إلا مراقبة رضاه تعالى في أعماله، وكانت التقوى رادعًا داخليًا له عن ارتكاب الجرم؛ ولولا ارتضاع الأخلاق من ثدي هذه العقيدة - عقيدة التوحيد - لم يبق للإنسان غاية في أعماله الحيوية إلا التمتع بمتاع الدنيا الفانية والتلذذ بلذائذ الحياة المادية»(79)، أما إذا كان مبنيًا على التوحيد فسيكون رادعًا للإنسان عن المعصية، ونقض القوانين، سيّما إذا كان العمل مما من طبعه أن لا يظهر للناس، لذا لا ترى القانون يسعد «إلا بإيمان تحفظه الأخلاق الكريمة، لا تتم إلا بالتوحيد، فالتوحيد هو الأصل الذي عليه تنمو شجرة السعادة الإنسانية وتتفرع بالأخلاق الكريمة»(80).
من هنا جعل العلماء عملية النظر واجبة على كل مكلف ولا يجوز له التقليد فيها، ومنه قول الشيخ المفيد في مقدمة مقنعته: «أفتتحه (كتاب المقنعة) بما يجب على كافة المكلَّفين: من الاعتقاد الذي لا يسع إهماله البالغين، إذ هو أصل الإيمان والأساس الذي عليه بناء جميع أهل الأديان، وبه يكون قبول الأعمال ويتميز الهدى من الضلال»(81).
 على أنَّ الذي يلزم المكلف معرفته، هو التوحيد الحقيقي الذي «لا يتكامل إلّا بمعرفة خمسة أشياء: أحدها، معرفة ما يُتوصل به إلى معرفة الله تعالى، والثاني، معرفة الله على جميع صفاته، والثالث، معرفة كيفية استحقاقه لتلك الصفات، والرابع، معرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز، والخامس، معرفته بأنه واحد لا ثاني له في القدم»(82).
ويرى المتكلمون أنَّ للتوحيد ثلاث مراتب على مستوى الإثبات، هي: التوحيد الذاتي والتوحيد الصفاتي والتوحيد الأفعالي. ويؤيد ذلك ما نُقل عن أبي عبد الله ع قوله: قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده وحده وحده»(83). إذ جاء تكرير الوحدة - حسب المتكلمين - للمبالغة والتأكيد، أي منفردًا في الذات والصفات والأفعال، لا نظير له ولا مثل، وكان لم يزل ولم يكن معه شيء(84).
غير أنَّ الوحدة في نظر البحث الفلسفي لها أقسام متعددة، فالواحد قد يكون واحدًا حقيقيًا وقد لا يكون، والواحد الحقيقي قد تكون وحدته حقّة، وقد لا تكون كذلك، وهي ما يُطلقون عليها بالوحدة الظلِّية. وفيها يقول صدر المتألهين: «اعلم أنَّ الوحدة قد تكون ذات الواحد بما هو واحد وهي الوحدة الحقّة، وقد تكون غيرها. وهذه على ضربين: حقيقية وغير حقيقية»(85)؛ لذا يرى وحدة الممكنات وحدة ضعيفة في البساطة، وهي ظل من الوحدة الصِرفة الإلهية التي أفاضت سائر الوحدات على الترتيب النزولي، فكلما كان أشد وحدة كان أقرب إلى الوحدة الحقّة(86). والأحق بالوحدة الحقيقية بل الوحدة الحقّة التي هي ذات الواحد بما هو واحد، هو ما لا ينقسم أصلًا لا في الكم ولا في الحد ولا بالقوة ولا بالفعل ولا ينفصل وجوده عن ماهيته(87). ولعل هذه المرتبة من التوحيد لا يتكامل بها إلاّ الأوحدي من النَّاس، وأن قوله تعالى:)وَمَا يُؤمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاّ وَهُم مُشْرِكُونَ((88)إشارة إلى ذلك.
فإنْ كان ذلك، وجب على المسلم معرفة ما يتفرع على التوحيد الحقيقي، وإدراك أنَّ الخالق إنْ كان بتلك الصفات فهو لا محالة عدل مطلق؛ لأنه كمال مطلق «وأنه ليس في أفعاله قبيح ولا إخلال بواجب. ويتفرع من ذلك وجوب معرفة خمسة أشياء: أحدها، معرفة حُسن التكليف وبيان شروطه وما يتعلق به، والثاني، معرفة النبوة وبيان شروطها، والثالث، معرفة الوعد والوعيد وما يتعلق بهما، والرابع، معرفة الإمامة وشروطها، والخامس، معرفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»(89).
منازل معرفة الإنسان
من المعروف أنَّ النَّاس متفاوتون في مداركهم وقدراتهم العقلية، وعليه فهل يجب على الإنسان الإلمام بكل هذه المعارف التوحيدية على تفصيلاتها أو لا؟
يرى البعض أنه يكفي في التوحيد معرفة وحدانية الله تعالى في الربوبية وأنه لا شريك له في المعبودية، ويتبعها النظر في الصفات من الثبوتيات والسلبيات(90)، وهذا يكفي لأهل الله تعالى، إذ الدليل عليه والوسيلة إلى معرفته هو سبحانه)أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد((91) الذي (دل على ذاته بذاته)(*)، أو كما يقول الإمام السجاد ع: (بك عرفتك وأنت دللتني عليك)(**).
وأما لغيره فبالأدلة العقلية بمعرفة الآيات الآفاقية والأنفسية من حيث «إمعان النظر في الآثار واختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وجري الأنهار وركود البحار حركة السَّماء واضطراب الهواء وتغير الأشياء... وكفى بصنع الإنسان فضلًا عن ساير أنواع الحيوان دليلًا قاطعًا وبرهانًا ساطعًا خلقه من تراب ثم أودعه الأصلاب، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا ثم كسا العظام لحمًا ثم أخرجه خلقًا سويًا وخلق له لبنًا صافيًا...»(92) وجميعها تدل على أنَّ هناك صانعًا مبدعًا جديرًا بأن يُعبد ويُشكر.
ووجوب النظر – على حد تعبير الشيخ الطوسي - لا يراد منه «المناظرة والمحاجَّة والمخاصمة والمحاورة التي يتداولها المتكلمون وتجري بينهم، فإن جميع ذلك صناعة فيها فضيلة وإنْ لم تكن واجبة، وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الأدلة الموصلة إلى توحيد الله تعالى وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به»(93). فمن النَّاس مَنْ يلزمه الفهم على التفصيل، أمثال المتكلمين الذين أفرغوا وسعهم لعلم هذه الصناعة، فإنْ خطرت لهم شبهات ووردت عليهم خواطر لزمهم حلها والتفتيش عنها، وكذا كل مَنْ يجري مجراهم. ولا يجوز له الاقتصار على علم الجملة، فإنه لا يسلم له ذلك مع هذه الشبهة. ومَنْ لا يخطر له ذلك لبلادته أو لعدوله عنه أو تشاغله بعبادة أو فقه أو دين، فإنه لا يلزمه التغلغل فيه ولا البحث عن الشبهات أوحلها(94).
أما مَنْ لم يكن لديه لا علم بالجملة ولا علم بالتفصيل، فهو في حضيض التقليد المنهي عنه، إلّا مَنْ تعذّر عليه التعبير وخانه اللفظ في ذلك وهو عادة لعامة النَّاس، وعندئذٍ «لا يمتنع أن يكون عارفًا على الجملة وإنْ تعذّرت عليه العبارة عمّا يعتقده، فتعذّر العبارة عمّا في النفس لا يدل على بطلان ذلك ولا إرتفاعه»(95).
ماذا بعد المعرفة التوحيدية؟
إذا عرف الإنسان أنَّ هناك خالقًا عالمًا حكيمًا هو الذي خلقه واسكنه هذه الأرض وأنعم عليه بهذه النعم وجب عليه أنْ يعرف الهدف الذي خلقه من أجله، وهل أنَّ فعله – تعالى - مغيًّا أو بغير غاية؟
اختلف الكلاميون في أنَّفعله - سبحانه - مغيًّا أم لا.. إلى فريقين، ولا يسع المقام للدخول في آرائهم وأدلتهم بتفاصيلها، ولكن يمكن الإشارة إليها باختصار. إذ ذهبت العدلية إلى القول بأنّ أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض؛ لأنها صادرة من حكيم وعليم، وعن طريق كمال علمه يختار أفضل الوسائل وأرجحها للوصول إلى الهدف من أفعاله(96). في حين نقل الإيجي رأي الأشاعرة ومَن وافقهم في قوله: «إنَّ أفعال الله تعالى ليست معللة بالأغراض - إليه ذهبت الأشاعرة - وقالوا لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية ووافقهم على ذلك جهابذة الحكماء وطوائف الإلهيين»(97) لأنهم يرون فعله ع عين الحكمة لا ما هو حكيم فإنه يفعله(98).
والمرجّح هو ما ذهبت إليه العدلية (المعتزلة والإمامية) لأنَّ الله - سبحانه- لم يخلق النَّاس سدًى ولم يتركهم هملًا ولم يكن لاعبًا، وهذا ما صرحت به كثير من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:)وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ((99) وقوله تعالى:)وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ((100) وقوله تعالى:)أَيَحسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى((101)..
وهذا ما وصل إليه البعض بعقولهم المجردة، وإن لم يصلهم التكليف السمعي، ومنه ما نُقل عن أرسطو طاليس، قوله: أن النَّاس اختلفوا فيما ينبغي على المخلوقين تجاه خالقهم، فبعضهم رأى أن يقوموا بالصَّلاة والصِّيام، وخدمة الهياكل والمصليات.. وبعضهم رأى أن يتقرب إليه، بأن يُحسِن إلى نفسه بتزكيتها وحسن سياستها والإحسان إلى أبناء جنسه بالمواساة والحكمة والموعظة.. وبعضهم رأى النهج بالفكر في الإلهيات، والاستزادة في معرفة ربه عز وجل حتى تتكامل معرفته به، وبحقيقة وحدانيته.. وبعضهم رأى أن الواجب على المخلوقين ليس واحدًا، ولا هو شيء بعينه يلتزمه الجميع التزامًا واحدًا، وعلى مثال واحد، وإنما يختلف بحسب طبقات النَّاس، ومراتبهم من العلم(102).
أما الفلاسفة فقالوا: إنَّ عبادة الله عز وجل على ثلاثة أنواع:
«أحدها: فيما يجب له على الأبدان، كالصَّلاة والصِّيام، والسعي إلى المواقف الشَّريفة؛ لمناجاة الله عز وجل.
والثاني: فيما يجب له على النفوس، كالاعتقادات الصحيحة، وكالعلم بتوحيد الله عز اسمه، وما يستحقه من الثناء والتمجيد، وكالفكر فيما أفاضه على العالم من وجوده وحكمته، ثم الاتساع في هذه المعارف.
والثالث: فيما يجب له عند مشاركات النَّاس في المدن، وهي في المعاملات، والمزارعات، والمناكح، وفي تأدية الأمانات، مع نصيحة البعض للبعض، بضروب المعاونات، وعند جهاد الأعداء، والذب عن الحريم»(103) .
ولا يخفى أنَّ هذه الأنواع من العبادات وإن كانت محصورة ومعدودة، إلّا أنَّ العقل المجرد قادر على إدراكها قبل ورود الشَّرع على الجملة. ويمكن القول بأنَّ جميع العبادات أفعال أخلاقية عقلية قبل أن تكون أوامر وإلزامات شرعية، لأنها لا تخلو من أنْ يكون فيها الأغراض الآتية:
1- شكر للمنعم، وشكر المنعم واجب عقلي وأخلاقي.
2- طاعة للمولى، وطاعة المولى واجب عقلي وأخلاقي.
3- طلب، وطلب الفقير من الغني واجب عقلي وأخلاقي، إذ من القبيح عقلًا أن يطلب الفقير من الفقير.
وإذن فالأغراض الثلاثة من العبادة جميعها أفعال أخلاقية يستقل العقل بها على نحو الموجبة الجزئية. أما تفاصيل هذه العبادات فلا يمكن للعقل إدراكها؛ لقصوره ولعدم إحاطته بملاكات الأحكام.. أللّهم إلّا لعقل سيد الخلق (صلوات الله عليه وعلى آله) فمن الممكن أنْ يُحيط بها على نحو الفقر والحاجة إلى الإحاطة الإلهية التي تكون بالذات والغِنى.
التكليف والعبادة
الإنسان موجود مركب من بدن وروح، وعقل وهوى، وبسبب هذا التركيب يجعله يفحص - بفطرته - عن سعادته المادية والمعنوية، ويسعى للوصول إلى الكمال المقصود من وجوده. فحياة كل إنسان لها بعدان: فردي واجتماعي، ولأجل هذا احتاج الإنسان إلى نظام وقوانين تحقق له الحياة الطيبة، الفردية والاجتماعية، وتحقق له السعادة المادية والمعنوية(104). ومن هنا قال العدلية بحسن التكليف ووجوبه على(*) الله تعالى؛ لأن على المكلِّف «أن يكون حكيمًا مأمونًا منه فعل القبيح والإخلال بالواجب ليُعلم انتفاء وجه القبح عن هذا التكليف... ويجب أن يكون قادرًا على الثواب الذي عرض بالتكليف له وعالمًا بمبلغه... ويجب أن يكون منعمًا بما يجب له به العبادة،... ويجب أيضًا أن يكون عالمًا بتكامل شرائط التكليف في المكلف من أقداره وسائر ضروب التمكين»(105). مستندين في ذلك إلى الأدلة العقلية والبراهين الصحيحة؛ لأنهم يرون أنَّ البشر محتاجون إلى التكليف في طريق تكاملهم، والوصول إلى السعادة الكبرى، والتجارة الرابحة. ومن لطف الله تعالى أنْ يكلَّفهم؛ وإنْ لم يفعل «فإما أنْ يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى، وإما لأن الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق، وإما لأنه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق، وإذن فلا بد من تكليف البشر»(106) ليكونوا عند قوله تعالى:)...لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ...((107).
ولم يجوّز العدلية التكليف بما لا يطاق لأنه ظلم، وقبح الظلم من البديهيات الأولية عند العقل العملي، كالطيران إلى السَّماء بلا وسيلة مثلًا. والآيات القرآنية أيضًا صريحة في أنه سبحانه لا يكلِّف الإنسان إلا وسعه، وقدر طاقته ولا يظلمه مطلقًا(108)، كما في قوله تعالى:)لَا يُكَلِفُ اللهُ نَفْسًَا إلا وسْعَهَا...((109).
على أنَّ الأشاعرة اختلفوا مع العدلية في تجويزه، إذ يقول الإيجي: «التكليف بما لا يطاق عادة نجوّزه نحن وإنْ لم يقع بالاستقراء»(110) أي أنه لم يقع خارجًا وإنما العقل يحكم بذلك - حسب مبانيهم-.
فلسفة العبـادة
يعالج نظام العبادات حاجة ثابتة في حياة الإنسان خُلقت معه؛ لأنها تساهم في تهذيب خُلُقه والتزامه العملي، فالشَّريعة لم تعطِ الصَّلاة والصِّيام والحجّ والزَّكاة وغير ذلك من عبادات الإسلام كوصفة مؤقتة وصيغة تشريعية محدودة بالظروف التي عاشتها في مستهل تاريخها؛ بل فرضت تلك العبادات على الإنسان وهو يزاول عملية تحريك الآلة بالقوى الذرّية والنووية كما فرضتها على الإنسان الذي كان يحرث الأرض بمحراثه اليدوي.
ولعل البعض يرى أنَّ هذه العبادات - كالوضوء والغسل والصَّلاة والصِّيام - كانت مفيدة في مرحلة ما من حياة الإنسان البدوي، لمساهمتها في تنظيف بدنه وصيانته من الإفراط في الطعام والشَّراب، فلا حاجة لها اليوم؛ لأن هذه الأهداف تحققها للإنسان الحديث اليوم طبيعة حياته المدنية وأسلوب معيشته الاجتماعية.. والحق أنَّ هذه النظرة على خطأ(111)؛ بلحاظ أنَّ التطور الاجتماعي في الوسائل والأدوات، وتحول المحراث، في يد الإنسان إلى آلة يحركها البخار أو يديرها التيار الكهربائي، إنما يفرض التغير في علاقة الإنسان بالطبيعة وما تتخذه من أشكال مادية، تتطور شكلًا ومضمونًا من الناحية المادية تبعًا لذلك. وأما العبادات فهي ليست علاقة بين الإنسان والطبيعة لتتأثر بعوامل هذا التطور، وإنما هي علاقة بين الإنسان وربه، ولهذه العلاقة دور روحي في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان(112).
من هنا، يُعَد نظام العبادات في الإسلام علاجًا ثابتًا لحاجات ثابتة من هذا النوع ولمشاكل ليست ذات طبيعة مرحلية؛ لأن العبادة فيها تزكية للبدن وصفاء للنفس ومعراجًا للروح ووصولها إلى كمالها، فقد قال تعالى:)وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدون((113) إذ قرن تعالى العبادة بـ (لام) الغرض «وكان المقصود منها هو الوصول إلى جانب عزته في حظائر قدسه بأجنحة الكمال، كأن ذلك هو الغاية لخلق الإنسان والمطلوب منه، والمأمور بالتوجه والسير إليها بوجهه الحقيقي، فإن سعى لها سعيها ولم يحصل له فتور وكلال أدركها وفاز بحلول جنات النعيم، وإن قصَّر في طلبها وانحرف عن الصراط المستقيم كان من الهالكين»(114).
والمستقرئ لشواهد الشَّرع وبصائر العقل، يرى أن مقصود الشَّرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الحق وسعادة لقائه، والارتقاء من حضيض النفس إلى ذروة الكمال، ومن هبوط الأجسام الدنية إلى شرف الأرواح العلية، وذلك لا يتيسر إلا بمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته والاعتقاد بملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر. فما لم يعرف العبد نفسه بالعبودية، لم يعرف نفسه ولا ربَّه، فسُلّم معرفة النفس بالذلَّة والعبودية هو سبيل الصعود إلى ربه، لكون النفس ناقصة بالقوة والارتقاء من حال نقص إلى حال تمام لا يكون إلا بحركة وزمان ومادة قابلة، ووجود هذه الأشياء من خصائص هذه النشأة الحسية وهو المعنى من القول: الدنيا مزرعة الآخرة. فصار حفظ الدنيا التي هي النشأة الحسية للإنسان أيضًا مقصودًا ضروريًا تابعًا للدين لأنه وسيلة إليه. ومن هاهنا يُعرف مراتب الطاعات والمعاصي، وأي الطاعات أفضل الفضائل وأعظم الوسائل المقربة لديه وأيها أدون، وأي المعاصي أكبر الكبائر المبعدة عنه وأيها أدون ذلك(115).
إنَّ هذه العبادات المخصوصة - الواجبة أو المندوبة - ولا سيما الصَّلاة (عمود الدين) في عرف العرفاء لها مبدأ تكويني ووجود حقيقي في عالم الملكوت، وبنزولها إلى عالم المُلك تظهر «بصورة مجموع حركات الجوارح والجوانح وسكناتها وأقوالها وأفعالها، مثلما أن للقرآن ظاهرًا اعتباريًا كمجموع الحروف والحركات وباطنًا حقيقيًا نظير (أم الكتاب)»(116). فهم يعدّون الصَّلاة عصارة الأسفار العقلية الأربعة(*)؛ لأن أركانها وأفعالها وأذكارها وتحليلها وتحريمها، تقود حينًا من الكثرة إلى الوحدة في النية لله تعالى والتدبر في أوصافه، وحينًا تجعل الانشغال بالوحدة، وحينًا ترجع من الوحدة إلى الكثرة بالشهادة برسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخيرًا تُسرع في الكثرة بعين الوحدة بالتوجه نحو العباد الصالحين كافة والسلام عليهم. ولكل مرتبة من الصَّلاة آثار تناسب تلك المرحلة؛ فهي في نشأة الاعتبار نهي عن الفحشاء والمنكر الجعليين، وصورتها الملكوتية في البرزخ تكون مانعة لضرر الصورة البرزخية للفحشاء والمنكر، وفي دائرة العقل التام تدفع توغل الصورة المثالية للمعاصي إلى الأعلى(117).
 فعن أبي جعفر الباقر ع، لما اُسري بالنبي (صلى الله عليه وآله) قال الله تعالى له: «...ما يتقرب إلي عبد من عبادي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته»(118). ويُنقل عن المحقق الطوسي تعليقه على الحديث قائلًا: العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلقة بجميع المقدورات. وكل علم مستغرقًا في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأتى عنها شيء من الممكنات، بل كل وجود وكل كمال وجود فهو صادر عنه فائض من لدنه؛ فصار الحق حينئذ بصره الذي به يبصر وسمعه الذي به يسمع وقدرته التي بها يفعل وعلمه الذي به يعلم ووجوده الذي به يوجد، فصار العارف حينئذ متخلقًا بأخلاق الله تعالى في الحقيقة(119).
فغاية العبادة إذن، هي التخلق بأخلاق الله وليس مجرد حركات تؤدّى، وإنْ كانت مجزية حسب الاصطلاح الفقهي إن أُدّيتْ بشروطها(120). وعليه فلابد للإنسان أن يعرف ما يُصلحه وما يُفسده، وما هو الطريق الموصل إلى ذلك.
النبـوَّة .. الطريق الموصل إلى الأحكام التكليفية
لما ثبت وجود الخالق ووحدته وحكمته، تثبت بالضرورة وجود السفارة الإلهية إلى عباده، وضرورة الهداية والتعليم والتربية عن طريقها(121)؛ لأن الذي يضمن إصلاح هؤلاء العباد، إنما هو الهداية الإلهية التي تحقق لهم الاعتدال الفكري بالعقائد الحقّة، والإعتدال الروحي بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة (122)، وتؤمِّن لهم الحقوق الفردية والاجتماعية.
وهذه الأهداف لا تتيسر إلّا عن طريق الوحي والنبوة؛ لأن فكر الإنسان مهما كان قويًا، ليس بإمكانه أن يضيء النقاط المبهمة والمجهولة في فطرته، ويستغني في مسيرة حياته عن الأنبياء وهدايتهم (عليهم السلام)، على أنَّ السفير لا بدّ أن يكون مُصطفى من قبل الله تعالى، الذي طهَّره من الرجس، واستخلصه لنفسه، وأدّبه بحكمته. ولا بدّ أن يكون في صورة الإنسان وصفاته، ليتعامل مع النَّاس(123). وأن يكون معصومًا فيما يؤديه من المصالح والمفاسد؛ لوقوف الامتثال له على علم المكلّف كون ما أمر به صلاحًا وما نهى عنه فسادًا، ولهذا الاعتبار أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء (عليهم السلام) في الأداء، لعلمهم بأن تجويز الخطأ فيه يسقط فرض الشَّرائع فعلًا وتركًا(124).فجعلهم الله تعالى مبشرين للنَّاس برحمته، ومنذرين من عقابه، ومذكِّرين بمنسي نعمته، كما في قوله تعالى:)وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ...((125)
وفي خطابه لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله):)...فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ((126)وقوله تعالى:)فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ((127). وإلى ذلك أشار أمير المؤمنينع بقوله: «فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكَّروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول... ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة»(128).
ولما كان الأنبياء والرسل هم السفراء الإلٰهيين الذين يوصلون أحكام الله تعالى إلى خلقه، فلا ريب أنَّ هذه السفارة «من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدعون... ويختلط المضل بالهادي. وإذن فلا بد لمدعي السفارة أن يقيم شاهدًا واضحًا يدل على صدقه في الدعوى، وأمانته في التبليغ، ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادية التي يمكن غيره أنْ يأتي بنظيرها، فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية»(129) ويكون مُعجِزًا لغيره ويضطره إلى التصديق به، فيكون حجة عليه ولا عذر له بمخالفته.
وإنْ كان ذلك لسائر الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وقد آمن بهم أقوامهم وكانوا حجة عليهم .. فعلى المسلم الاعتقاد بسائر من سلف من أنبياء الله تعالى ورسله ممن سبق النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)والإيمان بأنَّ «شريعته ناسخة لما تقدمها من الشَّرائع المخالفة لها، وأنه لا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته، وكل من ادعى النبوة بعده فهو كاذب على الله تعالى، ومن يغير شريعته فهو ضال، كافر من أهل النار، إلا أن يتوب ويرجع إلى الحق بالإسلام»(130).
أما معاجزه صلوات الله عليه وآله، فقد استفاضت كتب التاريخ بذكرها(131)، فضلًا عن معجزته الخالدة إلى يوم يطوي الله تعالى السَّماء)...كَطَيِ السِجِلِ لِلْكُتُبِ...((132) ألَا وهي القرآن الكريم، كتاب الله العزيز ودستور هذه الأمة.
أخلاق الأنبيـاء
ثبت بالتجربة، أنَّ مَنْ أراد أن يأخذ على عاتقه إصلاح النَّاس، وينهض بتعليمهم وتزكية أنفسهم، لابد له من التلبس بالعمل الصالح، والإيمان بما يريد أن يعلِّمه لغيره، قاصدًا إلى تطبيقه تطبيقًا عمليًا، أكثر منه تعليمًا نظريًا، كون التطبيق العملي أكثر وقعًا وتصديقًا في النفوس. يقول العلامة الطباطبائي: «الكليات العلمية ما لم تنطبق على جزئياتها ومصاديقها تتثاقل النفس في تصديقها والإيمان بصحتها»(133).
وإذا كان تجسّد الخُلُق الحسن من لوازم المصلحين، فهو في الأنبياء أوكد، لذا فإن الله عز وجل «لم يبعث رسله وأنبياءه إلى النَّاس إلا بعد أنْ حلاّهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم»(134)، ويتضح ذلك جليًا من وصف القرآن الكريم لكرائم أخلاق الأنبياء (عليهم السلام) في أنهم (هم المهتدون)، وأنهم أول من يعمل الصالحات ثم يوصون النَّاس بفعلها، وأنهم مؤدبون بالأدب الإلهي المتجلي في أعمالهم (عليهم السلام) سواء في عباداتهم وأدعيتهم وتوجههم إلى الله تعالى، أو في معاشراتهم ومخاطباتهم مع النَّاس، وبه صاروا موضع مدح رب العزّة والجلال سبحانه. قال تعالى في إبراهيم ع:)وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا((135) وفي يعقوب ع:)...وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ((136) وفي يوسف ع:)...إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ((137) وفي حق عيسى ع:)...وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ((138)... إلى غيرها من الصفات الحميدة والأخلاق الشَّريفة التي كانت مفرَّقة بينهم (عليهم السلام) بأجمعهم، فآدم ع كان من المصطفين، الذي اختصه الله تعالى بعلم الأسماء(139)، ونوح ع من الشاكرين(140)، وإسماعيلع كان صاحب الصِّدق(141)، وموسى ع كليم الله وصاحب الشَّريعة والمعجزات البيّنات(142)، وداود وسليمان (عليهما السلام) كانا من أصحاب الشكر على النعمة(143)، وأيوب ع كان من أصحاب الصبر على البلاء(144)، ويونسع صاحب التضرع(145)... «فثبت إنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء لأن الغالب عليه كان خصلة معينة من خصال المدح والشَّرف»(146). وعن أبي عبد الله عقوله: «إنَّ الصَّبرَ والبِرَّ والحِلم وحُسن الخُلُق من أخلاق الأنبياء»(147) ، وقال ع: «أربعة من أخلاق الأنبياء عليهم السلام: البِرُّ والسَّخاء والصَّبر على النَّائبة والقيام بحق المؤمن»(148).
ولمّا أراد الله تعالى تمييز خاتم رسله وخيرته من خلقه (صلى الله عليه وآله) عن باقي الأنبياء الكرام (عليهم السلام)، جمع ذكرهم في سورة الأنعام، وبيَّن إخلاصهم في التوحيد وتكريمهم بالهداية، وطلب من نبيه الكريم أن يقتدي بهداهم، ويجمع صفاتهم، فقال تعالى:)وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ...((149).. قيل: إنَّ المراد من اقتدائه (صلى الله عليه وآله) بالأنبياء، هو في محاسن أخلاقهم، وإلاّ فلا يجوز اقتداءه بهم في أصول الدين، لأن التقليد فيها باطل، ولا في الأحكام الشَّرعية، لأن شريعته صلوات الله عليه وآله خاتمة للشرائع السَّماوية وناسخة لما قبلها(150).
قال الرازي: «فكأنه سبحانه قال: إنا أطلعناك على أحوالهم وسيَّرهم، فاختر أنت منها أجودها وأحسنها وكن مقتديًا بهم في كلها، وهذا يقتضي أنه اجتمع فيه من الخصال المرضية ما كان متفرقًا فيهم، فوجب أن يكون أفضل منهم»(151). ولمّا جمع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) هذه الخصال الحميدة كلها وصفه العلي - سبحانه - بأنه على خُلُق عظيم، فقال:)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ((152).. «بعدما أدّبه وأكمل له محامده وبلَّغه إلى غاية كماله، خاطبه بذلك القول، مؤكدًا بأنَّ واللاّم واسمية الجملة، والتنكير المفيد للتعظيم»(153)، فكانت أخلاقه لا نظير لها، وتحار العقول في سموّها وعظمتها، فقد جسّد مبادئ الخير في نفسه أولًا، ثم دعا النَّاس إلى العمل والالتزام بها، فعندما دعا النَّاس للعبادة، كان أعبد النَّاس جميعًا، وعندما نهاهم عن سوء أو منكر، فإنه الممتنع عنه قبل الجميع، يقابل الأذى بالنصح، والإساءة بالصفح، والتضرع إلى الله بهدايتهم، وهم يؤلمون بدنه الطاهر رميًا بالحجّارة، نعم.. لقد كان مركزًا للحب ومنبعًا للعطف ومنهلًا للرحمة(154)، فكان ذا خُلُق ولم يكن ذا تخلّق(155). ولذا حثّ القرآن الكريم على وجوب اتّباع هذا النبي العظيم، بقوله تعالى:)قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...((156) وأمر باتخاذه اُسوة وقُدوة)لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...((157)؛ لأنه كان قرآنًا(158) يمشي على الأرض ويعيش بين النَّاس بكل ما فيه من أوامر ونواهٍ وقربات. وفيه قال أمير المؤمنين علي ع: «فتأسَّ بنبيك الأطيب الأطهر (صلى الله عليه وآله)، فإن فيه أسوة لمن تأسَّى، وعزاء لمن تعزَّى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره. قضم الدنيا قضمًا، ولم يعرها طرفًا، أهضم أهل الدنيا كشحًا، وأخمصهم من الدنيا بطنًا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها...»(159). ومن هنا توجب على المصلح أن يكون مبتدءًا بنفسه أولًا ومن ثم يتعدى إصلاحه إلى غيره، وإلا فتنظيره لا يُجدي نفعًا دون عمله به؛ فالعمل الذي لم تعهد النفس وقوعه في الخارج يصعب انقيادها له. فمن منّا يُقدم على التقرب إلى الله تعالى بتقديم ولده وفلذة كبده إلى الموت أمامه ويأنس به دونما تردد، إلاّ إذا تجسد ذلك أمامه، وعرف وصدّق أن النبي إبراهيم ع أقدم على ذبح ابنه بيده امتثالًا لأمر ربّه، ويهون عليه الأمر أكثر عندما يعلم ويصدِّق بأن الإمام الحسين ع قدِّم ولده وخيرة شباب عصره وأشبه مخلوق برسول الله (صلى الله عليه وآله) خَلقًا وخُلقًا إلى أفواه السيوف لتقطعه إرَبًا، وعرض طفله الرضيع إلى نبال أهل الجاهلية الأجلاد فذبحوه بين يديه عطشانًا، وأخرج حرائر بيت الوحي لتكون سبايا بين أيدي الأدعياء.. إرضاءً لربه وحفظًا لدين جدِّه. فكانوا عليهم السلام أول الناس تضحية وأسبقهم إقدامًا. فالذي يريد الاحتذاء بخطوهم لا بد له من التأسّي بهم، ولا يكون من الذين قرّعهم القرآن الكريم بقوله:)أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ...((160) وما ورد في الخبر من ذم للمؤدِّبين الذين يعلِّمون الخير ولا يعملون به، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم وتأديبكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله»(161).
وفي مثل هؤلاء، قال أبو الأسود الدؤلي:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتي مِثْلَه عَارٌ عَليكَ إذا فَعَلْتَ عَظيـمُ(162)
ابدأ بنفسك وانهها عن غيِّها فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيـمُ
فهناك يُقبل ما وعَظْتَ ويُقتدى بالعِلْمِ مِنـكَ وينفـعُ التعليـــمُ
وإذن فلابدّ للمصلح أن يجعل قول شعيب ع)...وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ...((163) دستوره ومنطلقه الذي ينطلق منه.

  الجزء الأول     الجزء الثاني




المتابعون