الاثنين، 28 مايو 2012

آية التطهير


أقوال بعض المفسرين والعلماء باختصاص آية التطهير بأصحاب الكساء عليهم السلام

قبل البدء بإيراد أقوال بعض المفسرين والعلماء باختصاص أهل البيت عليهم السلام بآية التطهير .. وإخراج نسائه (صلوات الله عليه وعلى آله) منها - كما يدعي ذلك بعض أهل العامة ممن ليس لهم مبلغ من العلم إلا قليلا - ... أُورِد نص حديث الكساء الذي نقلته كتب الحديث الخاصة بمذاهب أهل العامة.
عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير قال ثنا عبد الملك يعنى ابن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال حدثني من سمع أم سلمة تذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت لها عليه فقال لها ادعى زوجك وابنيك قالت فجاء على والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري قالت وأنا أصلى في الحجرة فأنزل الله عز وجل هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فاخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير انك إلى خير...........مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 6 - ص 292
، سنن الترمذي - الترمذي - ج 5 - ص 30 - 31 ،

وهذه أقوال بعض المفسرين والعلماء باختصاص آية التطهير بأصحاب الكساء عليهم السلام.. وقد ابتغيت الاختصار لئلا يطول المقام ... وإلاّ فغير هؤلاء الأعلام كثير ممن قال باختصاص هذه الآية غي قوله تعالى: "...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" الأحزاب : 33 بهم عليهم السلام.

1- أبو بكر النقاش في تفسيره: أجمع أكثر أهل التفسير أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم .. جواهر العقدين/ 198 الباب الأول، وتفسير آية المودة:112 .
2- محمد بن أحمد بنيس في شرح همزية البوصيري: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) أكثر المفسرين أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم .. لوامع أنوار الكوكب الدري/ 2 86 .3- العلامة محمد جسوس في شرح الشمائل: (. . . ثم جاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معهم ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وفي ذلك إشارة إلى أنهم المراد بأهل البيت في الآية .. شرح الشمائل المحمدية / 1 107 ذيل باب ما جاء في لباس رسول الله .
4- الطحاوي في مشكل الآثار بعد ذكر أحاديث الكساء: فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أم سلمة مما ذكرنا فيها ، لم يرد أنها كانت مما أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المراد بما فيها هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين دون ما سواهم ..مشكل الآثار/ 1 230 ح 782 باب 106 ما روي عن النبي في الآية 5- الفخر الرازي، قال: وأنا أقول: آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر؛ فوجب أن يكونوا هم الآل ... ثم قال: وروى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية (المودة) قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (علي وفاطمة وابناهما)، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله تعالى: (إلا المودة في القربى) ووجه الاستدلال به ما سبق.
الثاني: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب فاطمة عليها السلام قال صلى الله عليه وسلم: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها " وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب علياً والحسن والحسين وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله: (واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف / 158 ، ولقوله تعالى : (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) النور/63 ) ولقوله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران/ 31 ولقوله سبحانه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب / 21
الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب ، وقال الشافعي رضي الله عنه:
يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض سحراً إذا فاض الحجيـــج إلى منى فيضاً كما نظم الفرات الفائض إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أنى رافضي. ... الفخر الرازي/ التفسير الكبير، 27/166.
6- أبو بكر الحضرمي في رشفة الصادي: (والذي قال به الجماهير من العلماء ، وقطع به أكابر الأئمة ، وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما . . . وما كان تخصيصهم بذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا عن أمر إلهي ووحي سماوي . . . والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبما أوردته منها يعلم قطعا أن المراد بأهل البيت في الآية هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله عليهم، ولا التفات إلى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين عليهم السلام بكونهم أهل البيت من أقوال الشيعة، لأن ذلك محض تهور يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين إلى أن يقول وقد أجمعت الأمة على ذلك فلا حاجة لإطالة الاستدلال له ......رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي/ 13 14 16 ط . مصر و 23 و 40 ط . بيروت الباب الأول ذكر تفضيلهم بما أنزل الله في حقهم من الآيات .
7- ابن حجر: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ... الصواعق المحرقة / 143 ط . مصر ، وط . بيروت: 220 الباب الحادي عشر، في الآيات الواردة فيهم، الآية الأولى .
8- النووي في شرح صحيح مسلم: وأما قوله في الرواية الأخرى: (نساؤه من أهل البيت ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) . قال: وفي الرواية الأخرى : (فقلنا: من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال: لا) . فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: (نساؤه لسن من أهل بيته)، فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يسكنونه ويعولهم . . . ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة ... صحيح مسلم بشرح النووي/ 15 175 ح 6175 كتاب الفضائل فضائل علي .
9- السمهودي: وحكى النووي في شرح المهذب وجها آخر لأصحابنا: أنهم عترته الذين ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم قال : وهم أولاد فاطمة ونسلهم أبداً ، حكاه الأزهري وآخرون عنه ... وقال السمهودي بعد ذكر الأحاديث في إقامة النبي آله مقام نفسه وذكر آية المباهلة وأنها فيهم: وهؤلاء هم أهل الكساء ، فهم المراد من الآيتين (المباهلة والتطهير) ... جواهر العقدين / 204 الباب الأول .
10- الإمام مجد الدين الفيروزآبادي: المسألة العاشرة: هل يدخل في مثل هذا الخطاب (الصلاة على النبي) النساء؟ ذهب جمهور الأصوليين أنهن لا يدخلن، ونص عليه الشافعي ، وانتقد عليه ، وخُطّيء المنتقد ... الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر / 32 الباب الأول .
11- الحمزاوي: واستدل القائل على عدم العموم بما روي من طرق صحيحة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين) وذكر أحاديث الكساء، إلى أن قال: ويحتمل أن التخصيص بالكساء لهؤلاء الأربع لأمر إلهي يدل له حديث أم سلمة، قالت: (فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي) ...مشارق الأنوار للحمزاوي/113 الفصل الخامس من الباب الثالث فضل أهل البيت
12- القسطلاني: ان الراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، كما نص عليه الشافعي واختاره الجمهور ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ... ثم ذكر بعد ذلك كلام ابن عطية فقال : الجمهور على أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين وحجتهم (عنكم ويطهركم) بالميم ... المواهب اللدنية/ 2 517 529 الفصل الثاني من المقصد السابع .
13- أبو منصور ابن عساكر الشافعي: بعد ذكر قول أم سلمة: (وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين) هذا حديث صحيح . . . والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين ... كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين/ 106 ح 36 ذكر ما ورد في فضلهن جميعا) .
14- الحافظ الكنجي: الصحيح أن أهل البيت علي وفاطمة والحسنان ... كفاية الطالب / 54 الباب الأول .
15- القندوزي في ينابيعه: أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين لتذكير ضمير عنكم ويطهركم ... ينابيع المودة: 1 294 ط. إسلامبول 1301 ه و 352 ط . النجف ، باب 59 الفصل الرابع .
16- محب الدين الطبري: باب في بيان أن فاطمة والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وتجليله صلى الله عليه وسلم إياهم بكساء ودعائه لهم ... ذخائر العقبى / 21 .
17- الآلوسي : وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) . يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين ... تفسير روح المعاني : 12/24 مورد الآية
18- الحافظ البدخشاني: وآل العباء عبارة عن هؤلاء لأنه صح عن عائشة وأم سلمة وغيرهما بروايات كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل هؤلاء الأربعة بكساء كان عليه ، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) .
19- توفيق أبو علم: فالرأي عندي أن أهل البيت هم أهل الكساء : علي وفاطمة والحسن والحسين ومن خرج من سلالة الزهراء وأبي الحسنين رضي الله عنهم أجمعين (أهل البيت :ص 92 ذيل الباب الأول ، و : 8 المقدمة . وقال في موضع الرد على عبد العزيز البخاري: أما قوله : إن آية التطهير المقصود منها الأزواج، فقد أوضحنا بما لا مزيد عليه أن المقصود من أهل البيت هم العترة الطاهرة لا الأزواج (أهل البيت : 35 الباب الأول) .وقال: وأما ما يتمسك به الفريق الأعم والأكبر من المفسرين فيتجلى فيما روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة) (أهل البيت : 13 الباب الأول) .
20- الشوكاني في إرشاد الفحول في الرد على من قال أنها مختصة بالنساء : ويجاب عن هذا بأنه قد ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين ... إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول : 83 البحث الثامن من المقصد الثالث، وأهل البيت لتوفيق أبو علم : 36 الباب الأول .
21- أحمد بن محمد الشامي: وقد أجمعت امهات كتب السنة وجميع كتب الشيعة على أن المراد بأهل البيت في آية التطهير النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين؛ لأنهم الذين فسر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلمالمراد بأهل البيت في الآية، وكل قول يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد أو قريب مضروب به عرض الحائط، وتفسير الرسول صلى الله عليه وسلمأولى من تفسير غيره ؛ إذ لا أحد أعرف منه بمراد ربه ... جناية الأكوع : ص 125 الفصل السادس
22- الشيخ الشبلنجي: هذا ويشهد للقول بأنهم علي وفاطمة والحسن والحسين ما وقع منه صلى الله عليه وسلم حين أراد المباهلة، هو ووفد نجران كما ذكره المفسرون ... نور الأبصار : ص 122 ط. الهند و 223 ط. قم ، الباب الثاني مناقب الحسن والحسين.
23- الشيخ السندي في كتابه (دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب) : وهذا التحقيق في تفسير (أهل البيت) يعين المراد منهم في آية التطهير؛ مع نصوص كثيرة من الأحاديث الصحاح المنادية على أن المراد منهم الخمسة الطاهرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ؛ ولنا وريقات في تحقيق ذلك مجلد في دفترنا يجب على طالب الحق الرجوع إليه ... عنه عبقات الأنوار: 1/ 350 ط . قم، و 911 ط. إصبهان قسم حديث الثقلين
24- الرفاعي: وقيل علي وفاطمة وابناهما ، وهو المعتمد الذي عليه جمهور العلماء ... المشرع الروي / 1 17 .
25- عباس العقاد: واختلف المفسرون فيمن هم أهل البيت: أما الفخر الرازي في تفسيره (6 783)، والزمخشري في كشافه ، والقرطبي في تفسيره ، وفتح القدير للشوكاني، والطبري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور (5 169)، وابن حجر العسقلاني في الإصابة (4 407) ، والحاكم في المستدرك ، والذهبي في تلخيصه (3 146)، والإمام أحمد في الجزء الثالث صفحة: 259 ؛ فقد قالوا جميعا: إن أهل البيت هم علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين رضي الله عنهم. وأخذ بذكر الأدلة . ... فاطمة الزهراء للعقاد : ص70 ط. مصر دار المعارف الطبعة الثالثة.

علا مات البلوغ عند المذاهب الإسلامية


 
بحث مقدم إلى كلية الفقه/جامعة الكزفة - الدراسات العليا/مرحلة الدكتوراه، 2012م.                                                             
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لا يشعر الإنسان بكماله ولا بمغزى وجوده في هذا العالم إلّا إذا استشعر الهدف الذي وجد من أجله، فمتى ما علم أنَّ الله سبحانه وتعالى أحلّه هذه الدار الدنيا وهي دار العمل من أجل أن يرقى إلى الدار الآخرة وهي دار الأبد، غير أنَّ هذا الرُّقيّ لا يمكنه الوصول إليه إلّا إذا اجتاز الدار الدنيا بعمل وجد وكدح.. )يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(([1]). ومن حكمة الله سبحانه وتعالى ولطفه بعباده، لم يفرض عليهم هذا الكدح صغاراً، بل أمهلهم حتى إذا ما استكملوا شطرًا من حياتهم وأصبحوا مؤهلين له من الناحية البدنية والعقلية خاطبهم بخطاب الرب الرحيم؛ ليمتثلوا لأوامره ويجتنبوا نواهيه، لا لحاجة منه إليهم، بل لطفًا بهم ورحمة؛ كي ينالوا بعملهم ما أخفى لهم من قرّة أعين في ذلك العالم الأبدي..   
من هنا يقول العلماء، أنّ البلوغ صفة كمال يصلها الإنسان، إذ بها تتحقق إنسانيته وبها يتكامل في طريق السموّ واستحقاقه الخلافة الإلهية في الأرض، بفعله الحسنات واجتنابه عن السيئات حتى مثلًا للخُلق الإلهي، كما في الحديث القدسي  «...وما تقرب إلي عبد بشئ أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته...»)[2]).
ولذا كان اختياري للبحث بصورة مقارنة للوقوف على آراء المذاهب الإسلامية في معنى البلوغ، ومتى يستحق به العبد لأن يكون مخاطبًا بالخطاب الإلهي فيكون له ما له، وعليه ما عليه.
الباحثة  8/2/2012


تمهيـــــد
تعريف البلوغ لغةً واصطلاحًا
أولاً: البلوغ في اللغة
بلغ الشيء يبلغ بلوغًا وبلاغًا: وصل وانتهى، وبلغت المكان بلوغًا: وصلت إليه وكذلك إذا شارفت عليه، ومنه قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن ، أي قاربنه. وبلغ الغلام: احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه والتكليف، وكذلك بلغت الجارية. بلغ الصبي والجارية إذا أدركا([3]).

ثانيًا: البلوغ في الاصطلاح
عرّفه النووي (ت:711هـ) بـ «السن الذي يجعل صاحبه من المقاتلين ويجرى عليه حكم الرجال في أحكام القتال وغير ذلك»([4]).
وقال الطوري الحنفي هو: «انتهاء حد الصغر»([5]).
وقال السيد الصدر: البلوغ «هو أحد الشروط العامة للتكليف»([6]).

وظاهر هذه التعريفات –وإن كانت من باب شرح الاسم- هو: انتهاء حد الصغر والوصول إلى سن التكليف من حيث الامتثال للأوامر الإلهية، بفعل الواجبات والانتهاء عن المحرّمات.

علامات البلوغ عند المذاهب الإسلامية
على الرغم من أن سن البلوغ هو السن الشرعي الذي تصح من المكلّف جميع عباداته ومعاملاته، وأنه داخل في جميع المباحث الفقهية، إلّا انَّ الفقهاء يبحثون ما يتعلق به في باب أو (كتاب) الحجر، مستندين إلى قوله تعالى: )وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...(([7]) إذ تبقى أموال محجورة وتحت تصرف الولي إلى أن يبلغوا ـ ولمعرفة البلوغ لابد من اختبارهم عن طريق العلامات والتغيرات الجسدية التي حددوها للبلوغ. إذ نُقل إجماع «العلماء على أن الاحتلام في الرجال والحيض في النساء هو البلوغ الذي يلزم به العبادات والحدود والاستئذان وغيره»([8])، وقال ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ): «واختلف العلماء في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل، وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا؟ وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم، والمرأة لم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ، فاعتبر مالك والليث وأحمد واسحق وأبو ثور الإنبات، إلّا أنَّ مالكًا لا يقيم به الحد للشبهة، واعتبره الشافعي في الكافر واختلف قوله في المسلم، وقال أبو حنيفة: سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام، وسبع عشرة للجارية، وقال أكثر المالكية: حدّه فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة، وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور: حدّه فيهما استكمال خمس عشرة سنة»([9]).
وللوقوف على هذه القوال سيتعرض البحث إلى آراء المذاهب الإسلامية في تحديد علامات البلوغ في المطالب الآتية:

المطلب الأول
علامات البلوغ عند الأمامية([10])
اتفق الإمامية على أنَّ البلوغ يتحقق إذا ما بلغ الصبي أو الصبية سنّ معينة، أو إذا ما تحققت بعض تغيرات فسيولوجية تطرأ على الجسم عند وصولهما مرحلة عمرية معينة، ومن هذه التغيرات ما  هو مشترك بين الذكور والإناث. ومنها ما هو مختص بالإناث فقط.
أولاً : التغيرات المشتركة
 وهي ثلاثة:
1-       السِّن.. وذهب بعضهم إلى الشروع في خمس عشرة سنة، وبعضهم إلى ثلاث عشرة، وبعضهم إلى العشرة.. والمشهور عندهم أنه إكمال خمس عشرة سنة بالنسبة للذكر، ولكن الأخبار الدالة عليه ضعيفة. أمّا بالنسبة للأنثى فبإكمال تسع سنين قمرية، وهو ما خالفوا به المذاهب الفقهية الأخرى. ومستندهم في ذلك ما ورد من أخبار عن أهل البيت (عليهم السلام)، منها:
 عن الإمام أبي عبد الله الصادق u، قال: «إذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، كُتِبت عليه السيئات، وكُتِبت له الحسنات وجاز له كل شيء إلّا أن يكون سفيهًا أو ضعيفًا»([11]).
وعن حمران، قال: «سألت أبا جعفر u، قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة... فقال: إذا احتلم، أو بلغ خمسة عشر سنة، أو أشعر أو أنبت قبل ذلك، ... قلت: فالجارية، متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها، ويؤخذ لها؟ قال: إنَّ الجارية ليست مثل الغلام، إنَّ الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة، واخذ لها بها، قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج من اليتم، حتى يبلغ خمسة عشر سنة، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك»([12]).
وقال أبو عبد الله u: «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها وجاز أمرها في مالها وأقيمت الحدود التامة لها وعليها»([13]).

2-     إنبات أو ظهور الشعر الخشن في منطقة العانة. ونبات هذا الشعر الخشن يقتضي الحكم بالبلوغ، أو بمعنى أدق أنه دلالة على البلوغ.
واستدلوا على ذلك بما وردت من أخبار من كلا الفرقين، منها: عن عطية القرظي، قال: «عُرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان مَن انبت قُتِل، ومَن لم يُنبت خلّى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلّى سبيلي»([14]).
عن الإمام الصادق u، عن الإمام الباقر u، قال: «إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرضهم يومئذ على العانات، فمن وجده أنبت قتله، ومن لم يجده أنبت ألحقه بالذراري»([15]).
ومن هنا فشعر الإبط غير معتد به، إذ لو كان معتبرا في البلوغ، لما كشفوا عن المؤتزر؛ لحصول الغرض من غير كشف العورة.

3-     الاحتلام، وهو خروج المني، وهو الماء الدافق الذي يحوي الحيوانات المنوية الصغيرة ويكون سببًا في تناسل النوع البشري.
       واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنّة، قال الله تعالى: )وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا...(([16]) ، وعن الإمام علي u قال: «سمعت رسول الله r يقول: رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ او يعقل...»([17]) ، وكذا في الخبر الوارد عن حمران –الآنف الذكر-، قال: «سألت أبا جعفر u، قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة، وتقام عليه، ويؤخذ بها؟ قال: إذا خرج عنه اليتم وأدرك، قلت: فلذلك حد يعرف به؟ فقال: إذا احتلم...»([18])

 ثانيًا: التغيرات المختصة بالإناث
     ذكر بعض الفقهاء، ومنهم العلّامة الحلي([19]) أنَّ هناك تغيران يطرءان على الصبية يكونان علامة على بلوغها هما: (الحيض، والحمل). وفيه نظر؛ لأن ثبت عن الأئمة عليهم السلام أنَّ بلوغ الصبية يتحقق إذا أكملت تسع سنين، وهذا الزمن العمري سابق على حدوث الحيض والحمل عندها، إذ لا يجوز الدخول بها قبل هذا السِّن([20]). وإذن فإذا ما تحقق البلوغ المحدد بالسِّن قبل تحققهما صارا تحصيل حاصل ولا عبرة في اعتبارهما، أللهم إلًا إذا لم يُعتبر سن التسع سنين في البلوغ، أو أنَّ العمر مجهول ويصعب تحديده، نعم يمكن عندها القول ببلوغ الصبية إذا ما طرأ عليها الحيض أو الحمل في هذه السِّن أو ما بعدها.

المطلب الثاني
علامات البلوغ عند المذهب الحنـــــفي
لم يختلف الحنفية مع المذاهب الفقهية الأخرى في أنَّ (الاحتلام والحيض والحمل) من علامات البلوغ، إلّا أنهم لهم رأيهم في الإنبات والسِّن اللذين يتفردان فيهما. وكما يأتي:
سن البلوغ.. خالف الإمام أبي حنيفة (ت:151هـ) المذاهب الأخرى في سن البلوغ، سواء في الفترة الزمنية أو الاختلاف بين الذكر والأنثى. إذ رُوي عنه أنَّ حد بلوغ المرأة سبع عشرة سنة بكل حال –إذا لم يحصل عندها بالحيض أو الحمل-، وله في الذكر روايتان: إحداهما: ثماني عشرة سنة كاملة. والأخرى: تسع عشرة سنة[21]؛ لأنه يرى أنَّ «صفة الصغر فيهما معلومة بيقين، فلا يحكم بزوالها إلّا بيقين مثله، ولا يقين في موضع الاختلاف، ثم أدنى المدة لبلوغ الغلام اثنا عشر سنة وقد وجب زيادة المدة على ذلك، فإنما يزاد سبع سنين اعتبارًا بأول أمره كما أشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا»([22]) ، أما  محمد بن الحسن، وأبو يوسف، فقالا: أنَّ سِّن البلوغ محدد بخمس عشرة سنة في الغلام والجارية على حدٍّ سواء، ودليلهما فيه قول ابن عمر، أنه عرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد «وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني»([23])([24])، أي لما رآه قد بلغ. ولكن السرخسي (ت483هـ) أشكل عليهما بأن لا حجّة في حديث ابن عمر، لأنه ما أجازه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار أنه حكم ببلوغه، بل لأنه رآه قويًا صالحًا للقتال، وقد كان يجيز من الصبيان من كان صالحًا للقتال. ولذا ذهب –السرخسي- إلى انَّ مدة البلوغ بالسِّن ثمانية عشر سنة([25]) اتفاقًا مع أبي حنيفة؛ لأن أبا حنيفة يختلف مع أهل التفسير في تفسير (الأشد)، ولم يقل أحد بأقل من ثمان عشرة سنة في قوله تعالى: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما فوجب تقدير مدة البلوغ به، ولكن الأنثى –عنده- أسرع نشوءًا عادة، فينقص في حقها سنة، فيكون التقدير بسبع عشرة سنة([26]).  وظاهر قوله مبني على القياس.
1-    الإنزال أو الاحتلام.. اتفقوا على أنَّ البلوغ يحصل به، وأدنى المدة في حق الغلام إثنا عشر سنة([27]).
2-    الحيض والحمل بالنسبة للجارية، وهو بلا ريب دليل على البلوغ، وأدنى المدّة فيه تسع سنين([28]).
3-   إنبات الشعر الخشن. لم يعتبر أبو حنيفة الإنبات بلوغًا، ولا دليلاً عليه؛ لأنه يعدّه نبات شعر أشبه بنبات شعر سائر البدن. وأُشكل عليه: بأنَّ الفرق ظاهر؛ لأن التجربة قاضية بأنَّ هذا الشعر لا ينبت إلّا بعد البلوغ، بخلاف غيره من الشعور التي في البدن والرأس([29]). وهو مردود أيضًا بالخبر الوارد في تحكيم النبي (صلى الله عليه وآله) سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم بأن حكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذرية([30]) ([31]).
  

المطلب الثالث
علامات البلوغ عند المذهب المالكي
يتفق المالكية على أن (الاحتلام والحيض والحمل) من علامات البلوغ على ما جاء فيها من أخبار فمتى ما تحققت في الإنسان كان بلوغاً بغض النظر عن المرحلة العمرية[32]، وأما رأيهم في العلامات الأخرى فكما يأتي:
1-     السِّن.. قال الإمام مالك (ت: 179هـ) -صاحب المذهب-  ليس السِّن دليلًا على البلوغ، ولا بلوغًا في نفسه، ولا حد للسِّن في البلوغ، بل يعلم البلوغ بأمارات من غلظ الصوت وشق الغضروف -وهو رأس الأنف- ونفور الثدي، ونبات شعر العانة، وعرق الإبط وشبهه([33]). وأُشكل عليه بقول عبد الله بن عمر: «...ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني»([34]) ، وغيره، ولعدم اطراد هذه العلامات بحسب التجربة([35]). وقال أصحابه –أصحاب مالك-: حد البلوغ في الغلام والمرأة سبع عشرة سنة، وثماني عشرة سنة على المشهور([36])، في حالة عدم تحقق العلامات الأُخر.
2-   الإنبات.. وهو ليس علامة على البلوغ عند مالك مطلقًا، وفهم بعض الفقهاء من قوله أنه في الحدود فقط؛ لحصول الشبهة. ونحوه لابن القاسم في كتاب القطع. أما أصحابه ففصلوا فيه، إذ قال المازري: أنه علامة على البلوغ على المشهور، وقال آخرون أنه ليس بعلامة له (في حق الله) كوجوب الصلاة وغيرها([37]).


المطلب الرابع
علامات البلوغ عند المذهب الشافعي([38])
لم يختلف الشافعية في أنَّ البلوغ يحصل بخمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة، وهي الإنزال والسن والإنبات. واثنان تختص بهما المرأة، وهما الحيض والحمل، فقالوا:
أولاً: صفات البلوغ المشتركة
1-      الإنزال –الاحتلام-: فمتى أنزل الطفل صار بالغًا، والدليل عليه قوله تعالى: ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ) فأمرهم بالاستئذان بعد الاحتلام، فدل على أنه بلوغ..
2-     السِّن.. هو استكمال خمس عشرة سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء، إلّا أن يحتلم الرجل، أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة، فيكون ذلك البلوغ وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذه السن. والدليل عليه رواية ابن عمر، يوم عرض نفسه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد، وكان ابن أربع عشر سنة فلم يجزه؛ لأنه لم يره قد بلغ، وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة.
3-      الإنبات.. وهو الشعر الخشن الذي ينبت على العانة، فمن جهل مولده وعدم سنِّه أو جحده، فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى أمراء الأجناد "ألّا تضربوا الجزية إلّا على من جرت عليه المواسى"([39]). وقال عطية القرظي، قال: «عُرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان مَن انبت قُتِل، ومَن لم يُنبت خلّى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلّى سبيلي»([40])، والإنبات بلوغ في حق الكافر، ولهم فيه قولان: أحدهما: أنَّ الإنبات بلوغ في نفسه، وعلى هذا هو بلوغ في حق المسلم أيضًا، لأن ما كان بلوغًا في حق الكافر كان بلوغًا في حق المسلم كالاحتلام والسن، والآخر: أنه ليس ببلوغ في نفسه، وإنما دلالة على البلوغ؛ لأن العادة جرت أنه لا يظهر إلّا في وقت البلوغ.

ثانيًا: الصفات الخاصة بالإناث
1-        الحيض.. وهو بلوغ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر "إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلّا هذا وهذا"[41] وأشار إلى الوجه والكف، فعلق وجوب الستر بالمحيض وذلك تكليف، فدل على أنه بلوغ يتعلق به التكليف
2-          الحمل .. وهو دليل على البلوغ، فإذا حملت المرأة حُكم بأنها بالغ، فإذا كانت المرأة لها زوج فولدت حُكم بأنها بالغ من قبل الوضع بستة أشهر؛ لأن ذلك أقل مدة الوضع.. وأقل أوقات الحمل تسع سنين، إذ ذكر الشافعي أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة، وأنها حاضت باستكمال تسع ووضعت بنتًا لاستكمال عشر، ووقع لبنتها مثل ذلك.


المطلب الخامس
علامات البلوغ عند المذهب الحنبلي([42])
وهم يتفقون أيضًا على انَّ البلوغ يحصل في حق الغلام والجارية بأحد ثلاثة أشياء، وفي حق الجارية بشيئين يختصان بها.
أولاً: الصفات الثلاثة المشتركة
1-     الاحتلام، أي خروج المني، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد، فكيفما خرج في يقظة، أو منام بجماع، أو احتلام، أو غير ذلك حصل به البلوغ.. ودليهم فيه قوله تعالى:  )وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا...(([43]) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رفع القلم عن ثلاث... وعن الصبي حتى يحتلم...»([44]). ونُقل إجماعهم على أنَّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل وعلى المرأة بظهور الحيض منها.
2-      إنبات الشعر الخشن في منطقة العانة. وأما الزغب الضعيف فلا اعتبار به فإنه يثبت في حق الصغير، ودليلهم فيه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حكّم سعد بن معاذ في بني قريظة، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذرية([45])، وقول عطية القرظي «عُرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان مَن انبت قُتِل، ومَن لم يُنبت خلّى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلّى سبيلي»([46]) . ولأنَّ الإنبات خارج، يلازمه البلوغ غالبًا ويستوي فيه الذكر والأنثى فكان علما على البلوغ كالاحتلام.
3-          السِّن.. وهو ما حددوه بخمس عشرة سنة في الغلام والجارية على حدٍّ سواء، في حال لم يبلغا عن طريق الاحتلام، أو الحيض بالنسبة للجارية. ودليلهم: أنَّ ابن عمر، لما عرض نفسه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد([47]). وما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كُتِب ما له وما عليه، وأخذت منه الحدود»([48]).. ومن هنا قالوا: أنَّ السِّن معنى يحصل به البلوغ يشترك فيه الغلام والجارية، فاستويا فيه.

الصفتان الخاصة بالإناث
 و هما: الحيض، والحمل.. قال ابن قدامة: «فهو علم على البلوغ لا نعلم فيه خلافًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلّا بخمار"([49]) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وأما الحمل فهو علم على البلوغ؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أنَّ الولد لا يخلق إلّا من ماء الرجل وماء المرأة... فمتى حملت حكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه»([50])، قال: وأقل سن تبلغ له الجارية تسع سنين فكان ذلك أقل سن تحيض له، لما  روي عن عائشة أنها قالت: «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة»([51])([52]).


الخاتمة والنتائج
بعدما استقرأ البحث آراء فقهاء المذاهب الإسلامية في تحديد علامات البلوغ التي يصل فيها الإنسان إلى التكليف الشرعي، خرج بالنتائج الآتية:
1-      يتفق فقهاء جميع المذاهب الإسلامية على أنَّ سن البلوغ هو السن الذي يستحق فيه الإنسان أن يكون أهلاً للخطاب الإلهي من ناحية التكليف الشرعي، كما أنهم يتفقون على أنَّ (الاحتلام والحيض والحمل) من علامات البلوغ فمتى ما حصلت للإنسان وجب عليه التكليف، ومستند الجميع في ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
2-      اختلفت المذاهب الإسلامية في سن البلوغ إذا لم يتحدد بالعلامات السابقة، فذهب بعضهم إلى تحديدها من خلال ما استدل عليه من الروايات، وذهب بعضهم إلى القياس فساوى بعضهم بالسن بين الذكور والإناث، وفرّق بعضهم الأخر بينهم إلّا انه غالى في تحديد هذه السن حتى أوصله إلى ثمان عشرة وتسع عشرة سنة..
3-       يرّجح البحث ما ذهبت إليه الإمامية من تحديد سن البلوغ بخمس عشرة سنة بالنسبة للذكور؛ لأن جميع المذاهب متفقة على أن هذه السن أو ما قبلها هي السن المثالية للاحتلام عندهم.. كما أنَّ سن البلوغ في الإناث هو تسع سنين؛ لأن فقهاء جميع المذاهب يتفقون على أنها السن الأدنى التي يمكن للجارية أن تحيض أو تحمل فيها، وإذا كان كذلك فلا مسوّغ لتحديد سن البلوغ عندها بخمس عشرة أو سبع عشرة سنة ما دامت هي مؤهلة للزواج والإدراك في سن التاسعة، كما أن هناك من الروايات ما تؤيد هذا ومن كلا الفريقين.   





الهوامش

[1]- الانشقاق/6.
[2]- الشيخ الكليني/الكافي، 2/352.
[3]- ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين (ت:711هـ)/لسان العرب، نشر أدب الحوزة – قم، طبعة (1405هـ)، مادة (بلغ)، 8/419.
[4]- محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف/شرح مسلم، دار الكتاب العربي–بيروت، ط (987م)، 13/12.
[5]-محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي (ت:1138هـ)/تكملة البحر الرائق –شرح كنز الرقائق-، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1997م)، 2/شرح153.
[6]- محمد باقر الصد/الفتاوى الواضحة، ص42.
[7]- النساء/6.
[8]- العيني: بدر الدين محمد بن أحمد (ت: 855هـ)/عمدة القاري، دار إحياء التراث العربي- بيروت، 13/239.
-[9] فتح الباري (في شرح صحيح البخاري)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار المعرفة– بيروت، 5/204.
[10]- ظ: العلّامة الحلي: الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 726هـ)/تذكرة الفقهاء، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم، مهر، ط1 (1414هـ)، 14/185-194، ابن فهد الحلي: جمال الدين أبي العباس/المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407هـ، 2/شرح512-515 ، المحقق السبزواري: المولى محمد باقر (ت: 1090هـ)/كفاية الفقه -اكفاية الأحكام-، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1 (1423هـ)، 1/581-583 ،  السيد علي الطباطبائي (ت: 1231هـ)/رياض المسائل، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1 (1412هـ)، 8/550-558 ، السيد محمد صادق الروحاني/فقه الإمام الصادق، مؤسسة دار الكتاب – قم، العلمية، ط3 (1412هـ)، 20/شرح99-106.
[11]- الشيخ الكليني: أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي (ت:329هـ)/الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية– إيران، حيدري، ط5، 7/69.
[12]- الشيخ الكليني/الفروع من الكافي، 7/198.
[13]- الشيخ الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت: 381هـ)/ مَن لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري،  مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم المشرفة، ط2، 4/221.
[14]-أحمد بن حنبل: أبو عبد الله الشيباني المروزي (164-241هـ)/مسند أحمد،  دار صادر - بيروت، 4/310 ،  ابن ماجة: أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت: 275هـ)/السنن، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر – بيروت، 2/849 ...وغيرهم
[15]- الشيخ الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن (ت:460هـ)/تهذيب الحكام، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية – طهران، خورشيد ط3، 6/173.
[16]- النور/59.
[17]-أحمد بن حنبل/مسند أحمد، 1/140 ، وبالمعنى نفسه: الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت: 405هـ)/المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشي، دار المعرفة – لبنان 2/59 ، الميرزا النوري: حسين النوري الطبرسي (ت: 1320هـ)/مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل،مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – بيروت، ط1 (1987م)، 1/84.
[18]- الشيخ الكليني/الفروع من الكافي، 7/198.
[19]- تذكرة الفقهاء، 14/186.
[20]- عن زرارة عن أبي جعفر u قال: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر» - الشيخ الصدوق/مَن لا يحضره الفقيه، 4/221..
[21]- السرخسي: شمس الأئمة أبي بكر محمد بن ابي سهل (ت483هـ)/المبسوط، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، 1986م، 6/53 ، ظ: ابن نجيم المصري: زين الدين بن إبراهيم بن محمد الحنفي (ت: 970هـ)/البحر الرائق –شرح كنز الدقائق-، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1997م)، 6/70 ، العلّامة الحلي/تذكرة الفقهاء، 14/179
[22]- السرخسي/المبسوط، 6/53.
[23]- البخاري: أبو عبد الله محمد بن اسماعيل (ت: 256هـ)/الجامع الصحيح، دار الفكر- بيروت (طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول)، (1981م)، 3/158.
[24]-ظ: السرخسي/المبسوط، 6/54 ، العلّامة الحلي/تذكرة الفقهاء، 14/179، محي الدين النووي/المجموع، 13/363 ، محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي/تكملة البحر الرائق، 2/شرح153.
[25]- السرخسي/المبسوط، 6/54.
[26]- م. ن.
[27]- السرخسي/المبسوط، 6/53 ، محمد بن حسين/تكملة البحر الرائق، 2/شرح153.
[28]- م. ن. ، م. ن.
[29]- العلّامة الحلي/تذكرة الفقهاء، 14/186.
[30]- ظ: البخاري/صحيح البخاري، 4/227 ، الحاكم النيسابوري/المستدرك، 3/35.
[31]- ظ: الشيخ الطوسي (ت:460هـ)/الخلاف، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407هـ، 3/282 ، عبد الله بن قدامة: موفق الدين ابي محمد عبد الله بن أحمد (ت: 620هـ)/المغني،دار الكتاب العربي – بيروت، طبعة جديدة بالأوفست، 4/514.
[32]- ظ: الحطاب الرعيني: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن –المالكي- (ت:954هـ)/مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1995م)، 5/56.
[33]- الحطاب الرعيني/مواهب الجليل، 1/539 –وهو ما فهمه الفقهاء من مقتضى كلامه في المدونة-.
[34]- البخاري/صحيح البخاري، 3/158.
[35]- ظ: البهوتي: الشيخ منصور بن يونس الحنبلي (ت: 1051)/كشاف القناع، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1997م)، 3/581.
[36]- الحطاب الرعيني/مواهب الجليل، 5/56.
[37]- الدسوقي: شمس الدين محمد عرفة (ت: 1230هـ)/حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار إحياء الكتب العربية، 3/293.
[38]-ظ: الإمام الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت: 204هـ)/ الأم، ار الفكر، ط2 (1983م)، 2/120-170 ، عبد الكريم الرافعي –الشافعي- (ت:623هـ)/ فتح العزيز –شرح الوجيز-، دار الفكر، 10/277-284 ، محي الدين النووي/المجموع، 13/359-364 ، محمد بن أحمد الشربيني –الشافعي- (ت: 977هـ)/مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار إحياء التراث العربي – بيروت، طبعة 1958م،  2/165-167.
[39]- البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت: 458هـ)/السنن الكبرى، دار الفكر، 9/195.
[40]-أحمد بن حنبلمسند أحمد، 4/310 ،  ابن ماجة/السنن، 2/849 ، الترمذي/الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، 3/72 ... وغيرهم.
[41]- البيهنقي/السنن الكبرى، 2/226.
[42]- ظ: عبد الله بن قدامه/المغني، 4/513-518 ، عبد الرحمن بن قدامة: شمس الدين ابي الفرج عبد الرحمن بن ابي عمر المقدسي –الحنبلي- (ت: 682هـ)/الشرح الكبير، دار الكتاب العربي – بيروت، طبعة بالأوفسيت، 4/512-515 ، البهوتي: الشيخ منصور بن يونس الحنبلي (ت: 1051هـ)/كشّاف القناع، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 (1997م)،  3/517-518.
[43]- النور/59.
[44]- أحمد بن حنبل/مسند احمد، 6/101 ، أبو داوود: ابن الأشعث السجستاني/سنن أبي داوود، 2/339.
[45]- ظ: البخاري/صحيح البخاري، 4/227 ، الحاكم النيسابوري/المستدرك، 3،35.
[46]- أحمد بن حنبل/مسند أحمد، 4/310 ،  ابن ماجة/سنن ابن ماجة، 2/849 ، الترمذي/سنن الترمذي، 3/72 ... وغيرهم.
[47]- البخاري/صحيح البخاري، 3/158.
[48]- لم أجده في كتب الحديث،  ولكن أغلب الفقهاء تناولوه ومن كلا الفريقين على الرغم من قولهم بأنه ضعيف، منهم: عبد الكريم الرافعي/فتح العزيز، 10،278 ، ابن حجر/تلخيص الحبير، 10/278 ، محي الدين النووي/المجموع، 13/363 ،  الإمام أحمد المرتضى/شرح الأزهار، 1/شرح ص169... وغيرهم.
[49]- أحمد بن حنبل/مسند أحمد، 6/218 ، وبالمعنى نفسه: الحاكم النيسابوري/المستدرك، 1/251... وغيرهم.
[50]- عبد الله بن قدامة/المغني، 4/515.
[51]- الترمذي/سنن الترمذي، 2/288.
[52]- عبد الله بن قدامة/المغني، 1/373.

المتابعون