الأحد، 6 أغسطس 2017

ومضاتٌ من تجليّات الرحمة المحمدية



د. حميدة الأعرجي

تجسّدت الرحمة الإلهية في شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حتى صار مصداقًا مطلقًا لها ، وجعلها الله تعالى محصورة فيه، فقال مخاطبًا إياه: ]ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[
أين نجد هذه الرحمة في سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ؟
نجدها في هذه المواقف:

1-  كان في بداية دعوته يقف بالموسم على القبائل يدعوهم للإيمان بالله تعالى، وكان خلفه (أبو لهب)يقول: لا تطيعوه. ثم أتى القبائل في منازلهم يدعوهم الى الله عز وجل، فردّوا عليه بأقبح رد، وآذوه ورموه بالحجارة . فلم يقابلهم إلّا بالدعاء لهم بالهداية، وعَمَدَ إلى ظل حبلة من عنب فجلس وقال: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين...» فأتاه (جبريل) فناداه قائلًا: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه ملك الجبال فسلم عليه ثم قال: يا محمد إذا شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين). فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مِن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا.(ظ: بحار الأنوار، 19/22 ، صحيح البخاري، 4/83 ، صحيح مسلم، 5/181 ...وغيرهم).

2-  وجاء اليوم الذي قوت فيه شوكة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجاء يوم فتح مكّة وهو في أوج عظمته وعزته وأتباعه يحيطون به، كان يتدفّق رفقاً وانسانية وحناناً وهو في موقف النصر، فبينما كان سعد بن عبادة يحمل راية الجيش ويقول: (اليوم يوم الملحمة .. اليوم تسبى الحُرَمة)، نادى النبي(صلى الله عليه وآله) علياً وأمره أن يأخذ الراية من سعد وينادي عكس ندائه، فجاء علي ع) ) وأخذ الراية وقال: (اليوم يوم المرحَمَة .. اليوم تُحمى الحُرَمة).. ثم عفا رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن أهل مكة الذين آذوه وحاربوه، فقال قولته المدوية في التاريخ: (من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم. قال: (اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ). (ظ: الشافعي/كتاب الأم، 7/382 ، ابن حبان/الثقات، 2/56 ، الشيخ الكليني/الكافي، 3/513 .. وغيرهم)

3-  و لمّا زاد أذى المشركين له، قيل له«يا رسول الله ادعُ على المشركين، قال: إنّي لم أُبعَث لعّانًا ، وإنّما بعثتُ رحمةً» صحيح مسلم، 8/24.

4-  وأجلى مظاهر رحمته (صلى الله عليه وآله) كانت في حروبه، فكان لا يدخل حربًا إلّا كارهًا وبذلك وصفه الله تعالى وأصحابه ]كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ[ وقال عز وجل] ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ[، وكان إذا وقعت الحرب يجعلها في أضيق نطاق، يقلل خسائرها بقدر الإمكان، لا يتوسع في القتل، امتثالًا لقول الله تعالى]فَإذَا لَقِيتُمُ الَذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ[ أي: أضعفتموهم ]فَشُدُّوا الوَثَاقَ[ أي: اتركوا القتل وأسروا، ]فَإمَّا مَناً بَعْدُ[ أي: إما تمُنّ على الأسير وتطلق سراحه قربة لله، ]وإمَّا فِدَاءً[ أي: تفديه بأسير آخر أو بمال.

5-  كان (صلوات الله عليه وآله) يأمر قادة الجيش بأن لا يتعدوا على مخلوقات الله وعلى ضعاف الناس، وكان يستفرغ الوسع في تجنب قتل الأعداء، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه u قَالَ : «إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَه عَلَى سَرِيَّةٍ أَمَرَه بِتَقْوَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ فِي خَاصَّةِ نَفْسِه ثُمَّ فِي أَصْحَابِه عَامَّةً ثُمَّ يَقُولُ اغْزُ بِسْمِ اللَّه وفِي سَبِيلِ اللَّه قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّه ولَا تَغْدِرُوا ولَا تَغُلُّوا وتُمَثِّلُوا ولَا تَقْتُلُوا وَلِيداً ولَا مُتَبَتِّلاً فِي شَاهِقٍ ، ولَا تُحْرِقُوا النَّخْلَ ولَا تُغْرِقُوه بِالْمَاءِ ولَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً ولَا تُحْرِقُوا زَرْعاً لأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْه ولَا تَعْقِرُوا مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُه إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَكْلِه ، وإِذَا لَقِيتُمْ عَدُوّاً لِلْمُسْلِمِينَ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثٍ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكُمْ إِلَيْهَا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وكُفُّوا عَنْهُمْ ، ادْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ فَإِنْ دَخَلُوا فِيه فَاقْبَلُوه مِنْهُمْ وكُفُّوا عَنْهُمْ، وادْعُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ الإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وكُفُّوا عَنْهُمْ ... فَإِنْ أَبَوْا هَاتَيْنِ، فَادْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ وإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَيْهِمْ وجَاهِدْهُمْ فِي اللَّه حَقَّ جِهَادِه» الشيخ الكليني/الكافي، 5/29.

6-  الرسول (صلى الله عليه وآله) يقرّع بلالًا ويؤنّبه لأنه مرّ بصفية بنت حيي اليهودية وبأخرى معها على مصارع قتلى قومها، فيقول له« أنُزِعَتْ منكَ الرحمةُ يا بلال ، حتى تمرَّ بامرأتين على قتلى رجالهما ؟» ظ ابن هشام/السيرة النبوية، 3/277 ، الطبري/تاريخ الطبري،2/302 .

المتابعون