الاثنين، 13 يناير 2014

منهج ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد.


منهج ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
<!--تعريف به:
 ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء: 21 /307 – 309) فقال:
   ابن رشد الحفيد العلامة. فيلسوف الوقت، أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي.
     مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مئة. عرض (الموطأ) على أبيه. وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول، ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم، حتى صار يضرب به المثل في ذلك.
    وقال الأبار: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، ... وإنه سوّد في ما ألّف وقيد  نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة.
   وكان يفزع إلى فتياه في الطب، كما يفزع إلى فتياه في الفقه ، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي. وله من التصانيف: (بداية المجتهد) في الفقه، و (الكليات) في الطب، و (مختصر المستصفى) في الأصول، ومؤلف في العربية... وولي قضاء قرطبة، فحمدت سيرته.
    قال ابن أبي أصبيعة في ( تاريخ الحكماء ): كان أوحد في الفقه والخلاف، وبرع في الطب،... ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة، استدعى ابن رشد، واحترمه كثيرا، ثم نقم عليه بعد - يعني لأجل الفلسفة - ... ومات محبوسا بداره بمراكش في أواخر سنة أربع. وقال غيره: مات في صفر، وقيل: ربيع الأول سنة خمس. يقصد 595هـ.

   ومن مختصر ترجمته أعلاه، يتبين باعه في المنطق والفلسفة والفقه والأصول واللغة... ولا شك أن جامعاً لمثل هذه العلوم لابد وأن يكون ما يخطه قلمه مظهراً للصور العلمية التي ارتسمت في ذهنه. وواحدة من تلك الصور تظهر جلية ففي كتابه (بداية المجتهد), الذي ألّفه على منهجية تآليف كتب الخلاف - حسب من يستشهد به عند عرضه للمسائل الفقهية الخلافية- إذ كان هذا المصطلح هو المتعارف عند المتقدمين ولم يستخدموا مصطلح (المقارن).
     إلاّ أنه من خلال استقراء بعض أبواب الكتاب يتضح أنه من الكتب الفقهية المقارنة, إذا ما أُتخِذ بتعريف (المقَارَن) الذي يُطلق على «جمع الآراء الفقهية المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلتها وترجيح بعضها على بعض»*.
        إذ يذكر (ابن رشد) في مقدمة الكتاب أنه بصدد عرض المسائل الفقهية التي وقع الاتفاق عليها, أو اشتهر الخلاف فيها بين فقهاء المسلمين وكلٍ حسب أدلته الشرعية التي يتعرض إلى ذكرها.  وهو يعزي الخلاف بين الفقهاء إلى طريقية الدليل الذي توصل إليه الفقيه, متعرضاً بذلك إلى المسائل الأصولية بشكل مختصر لمباحث الحجج والألفاظ.
    بعد ذلك يشرع بعرض محتويات الكتاب الذي قسمه إلى كتب وأبواب ومسائل. فيبدأ بكتاب (الطهارة من الحدث) على عادة الكتب الفقهية - حسب قوله –  مبتدءاً بكتاب الوضوء الذي حصره في خمسة أبواب هي: «الأول: في الدليل على وجوبها، وعلى من تجب، ومتى تجب ؟ الثاني: في معرفة أفعالها الثالث : في معرفة ما به تفعل وهو الماء. الرابع: في معرفة نواقضها. الخام في معرفة الأشياء التي تفعل من أجلها»[1]. ويستدل على وجوب الوضوء من الكتاب والسنة والإجماع وهذا ما لا خلاف فيه بين الفقهاء س. إلا أنه يذكر اختلافهم في شرط وجوبه هل الإسلام شرط له أم لا؟.
   وعند تعرضه للباب الثاني يذكر أن الأصل فيه هو آية الوضوء التي لا اختلاف فيها, إلا أن الاختلاف بين العلماء وقع في كيفيته التي جعلها في اثنتي عشرة مسألة معطياً رأي كل فقيه (أو المذهب) , وبعد عرضه لكل الآراء يذكر دليل كل رأي ويناقشه, فإن رجح أحدها قال به وإلاّ فهو يأخذ بالدليل العقلي الذي يبين فيه رأيه.  
  فمثلاً يقول في المسألة الثانية «اختلف الفقهاء في غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء، فذهب قوم إلى أنه من سنن الوضوء بإطلاق، وإن تيقن طهارة اليد، وهو مشهور مذهب مالك، والشافعي. وقيل إنه مستحب للشاك في طهارة يده، وهو أيضا مروي عن مالك. وقيل إن غسل اليد واجب على المنتبه من النوم... وبه قال أحمد. فتحصل في ذلك أربعة أقوال 1- قول إنه سنة بإطلاق 2 - وقول إنه استحباب للشاك. 3 - وقول إنه واجب على المنتبه من النوم. 4 - وقول إنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون نوم النهار».
  
    ثم يعزي السبب في اختلافهم هذا إلى «اختلافهم في مفهوم الثابت من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل يدخلها الإناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. وفي بعض رواياته : فليغسلها ثلاثا . فمن لم ير بين الزيادة الواردة في هذا الحديث على ما في آية الوضوء معارضة ، وبين آية الوضوء ، حمل لفظ الأمر ههنا على ظاهره من الوجوب, وجعل ذلك فرضا من فروض الوضوء، ومن فهم من هؤلاء من لفظ البيات نوم الليل، أوجب ذلك من نوم الليل فقط، ومن لم يفهم منه ذلك، وإنما فهم منه النوم فقط أوجب ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليلا، ومن رأى أن بين هذه الزيادة والآية تعارضاً». ويعلل ذلك بأنه إذا كان ظاهر الآية المقصود منه حصر فروض الوضوء، كان وجه الجمع بينهما عنده أن يخرج لفظ الأمر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب، ومن تأكد عنده هذا الندب لمثابرته عليه الصلاة والسلام على ذلك، قال: إنه من جنس السنن، ومن لم يتأكد عنده هذا الندب، قال: إن ذلك من جنس المندوب المستحب.
    ثم يفصِّل ويعطي علة دليل آرائهم فيقول: ومن لم يفهم من هؤلاء من هذا الحديث علة توجب عنده أن يكون من باب الخاص أريد به العام، كان ذلك عنده مندوباً للمستيقظ من النوم فقط، ومن فهم منه علة الشك، وجعله من باب الخاص أريد به العام، كان ذلك عنده للشاك، لأنه في معنى النائم.
   وبعد انتهائه من عرض آراء الفقهاء في فهمهم للحديث النبوي، يرى أن «الظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصد به حكم البدء في الوضوء، وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به إذا كان الماء مشترطا فيه الطهارة» أما من نقل من غسله (e) يديه قبل إدخالهما في الإناء في أكثر أحيانه، فيرجعه إلى احتمالين, فيحتمل في الأول أن يكون من حكم اليد على أن يكون غسلها في الابتداء من أفعال الوضوء، وفي الثاني أن يكون من حكم الماء «أعني أن لا ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشك مؤثر»[4].  
 ومن الواضح أنه في منهجيته هذه ينحى منحى المناطقة والفلاسفة في استقراء آراء الفقهاء بالدليل الإنّي, ومعطياً رأيه بعد ذلك بالدليل اللّمي. إلاّ أن ما يؤاخذ عليه هو عدم استقرائه لكل آراء المذاهب الفقهية , إذ لم يتعرض إلى ذكر الرأي الإمامي . ولا يُعلم أكان ذلك جهلاً منه بهذا المذهب بحكم موقعه الجغرافي ولعله لم ينقل إليه علوم هذا المذهب, أو أنه تجاهله عامداً ورافضاً له. ومن المستغرب أنه حتى عندما يتعرض إلى مسألة النكاح المنقطع - التي كثرما اُتهم الإمامية بتفردهم بها – فإنه لا يتعرض إلى رأيهم بل يستعرض آراء المحرّمين له ومستندهم في ذلك من الأخبار المتواترة – حسب قوله - إلاّ ما نقل خلاف ذلك مما اشتهر عن ابن عباس تحليله له, وما نُقل عن جابر بن عبد الله[5]. ودون أن يعلق عن هذا النقل!.
  
  الهوامش

(*) محمد تقي الحكيم/الأصول العامة للفقه المقارن ,ص 14 , ويضيف قائلاً:المقارن وظيفة الحاكم الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عن فحص جميع الوثائق وتقييمها، والتماس أقربها للواقع تمهيدا لإصدار حكمه ولا يهمه أن يلتقي ما ينتهي إليه مع ما لديه من مسبقات فقهية، وربما عمد إلى تصحيح آرائه السابقة على ضوء ما ينتهي إليه.
(2) ابن رشد الحفيد/ بداية المجتهد ونهاية المقتصد , 1 / 10.
(3)    , (4)  ابن رشد الحفيد/ بداية المجتهد  , 1 / 11 – 12. 
(5) المصدر السابق , نفس الجزء والصفحة.
(6)المصدر نفسه، 2/47.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون