الجمعة، 1 ديسمبر 2017

النَّص الديني ومشروعية تطبيق السيميوطيقا عليه

النَّص الديني ومشروعية تطبيق السيميوطيقا عليه
د. حميدة الأعرجي

1- عَصرَنة التراث شيء محمود ومطلوب إذا ما صُبّت في تنقية التراث من التفسيرات والتأويلات البعيدة عن العقلانية، لاسيما وأنّ تراثنا الإسلامي مليء بالموضوعات وخرافات الإسرائيليات. ولكن الذي يدعو إليه الحداثويون هو عَصرَنة معنى (النَّص القرآني) بإخضاعه للدراسات اللغوية الحديثة، التي تعتمد على قراءة النَّص مجردًا عمّا يحفُّ به من قرائن تبيينية، أللهم إلّا التاريخية منها.. ليس هناك إلّا النَّص والقارئ، والقارئُ هو وما يحملً من ثقافة مسبقة. ولا ريب أنّ هذا المنهج من الصعب تطبيقه في استنباط الأحكام الفقهية، بل هو غير منتجٍ أصلًا فيها، لأنّ علم اللغة لوحده غير كافٍ في استنباط الحكم الشرعي ما لم يتكامل بالعلوم الشرعية الأخرى.
2- إنّ آثار النتائج التي وصلت إليها الدراسات اللغوية الحديثة، لا تخلو من الجَنبتَين الإيجابية والسلبية، والجنبة الإيجابية يمكن -على فرض التطبيق- قبولها، من حيث أنّ فهم الحقيقة لم يعد حِكرًا على قارئ من دون آخر، وبالتالي لم يعد بإمكانه تصدير قراءته أو فَهْمه للآخرين على أنه عين ما أراده مبدع النَّص من نصِّه، ولا أنْ يتعسّف في مصادرة أفهام الآخرين في الوقت نفسه. والجنبة السلبية، التي لا يمكن قبولها، لا سيما في فهم النَّص الديني؛ هي الإجحاف في مصادرة حق مبدع النَّص وإلغاء دوره تمامًا، إذ من غير المنطقي أن يُقدَّم فَهْم القارئ على أنه مرادٌ للمتكلِّم، أو أحد مراداته، لأنه يُفضي إلى تقويله ما لم يقل، وإلى تحميله تبعات مالم يقصد! وهذا ما لا يرتضيه أيُّ متكلم منّا قط، فضلًا عن أن يكون المتكلّم هو الله تعالى.
3- القول بالمعاني المتعددة لنَصٍّ واحدٍ يفضي إلى القول باجتماع معنى الشيء وضده في مورد واحد، وهذا محال عقلًا، إذ لا يمكن لعاقل أن يصدق أنّ مبدع النَّص عندما تكلم به، أو كتبه، أراد منه معانٍ متعددة إلى حد التضاد، وهذا الأمر وجداني يحس به كل واحدٍ منّا، فإذا ما أراد التكلم عن شيء، لا شك أنه يريد حقيقة واحدة له، إلّا إذا لم يُجِد التعبير أو أنه انتقى ألفاظًا لا تعطي المعنى المطلوب، وهذا ما لا يمكن تصوره في كلام الله تعالى أو كلام المعصوم. نعم، قد يتعدد المعنى لبعض النصوص القرآنية أو الحديثية بالنسبة لفهم المخاطَبين، سيما إنْ ضاعت عليهم القرائن الحالية، وهنا فقط يمكن عدُّ ثمرة القراءات الحديثة ثمرة ناضجة، ومأتيّة الأُكُل إلى حين، إذا ما تم التصالح عليها بين فِرَق ومذاهب المسلمين في الوقت المعاصر، أو في زمن غيبة الإمام المعصوم على المبنى الإمامي، وبإمكان كل منهم أنْ يحتفظ بعقيدته لنفسه من دون أنْ يرتب الأثر على خطأ عقائد الآخرين، ولكن هذا لا يعني أنّ جميع القراءات صحيحة، وقطعًا ستسقط هذه الثمرة ويصيبها الذبول تمامًا حين يُظهِر الله تعالى دينه على يد وليِّه، وحينئذ تكون هناك قراءة واحدة للنَّص الديني وهي القراءة الحقّة التي ستلغي أو ستذوب كل القراءات فيها. وهذا الأمر لا ينطبق على النص الديني فقط، وإنما حتى على النصوص القانونية والدستورية، فحينما يكون هناك أفهام متعددة لتفسير نص قانوني أو دستوريٍ مّا ويطغى الخلاف بينها، ليس هناك من حلٍّ للنـزاع إلّا بالتصالح على تفسير متفق، أو الرجوع فيه إلى جهة أعلى وأعلم تحكم الجميع. 

لقراءة البحث كاملًا.. اضغط هنــــا

المتابعون