الأحد، 9 مايو 2021

  منهج البحث العلمي

مح 2 

أقسام منهج البحث

يقسم المنهج تقسيمًا أوليُا على قسمين، هما: المنهج التلقائي، والمنهج التأمَلي، وتوضيحهما بما يأتي([1]):

 1-  المنهج التلقائي: ويراد به ما يزاوله عامة الناس في تفكيرهم وأعمالهم من دون أن يكون هناك التفات منهم إليه، أو خطة واضحة ثابتة في أذهانهم له، وإنما يأتيهم عفوًا ووفق ما يمليه الظرف. وقد أشار إليه بعض المناطقة بقولهم: إنّ العقل السليم يستطيع أن يصل إلى حقيقةٍ ما في نطاق البحث الذي يقوم به، من دون أن يعرف قواعد الاستدلال.

 

2-  المنهج التأمّلي: وهو ما يصطلح عليه بالمنهج العلمي، وسمي بالتأملي لأنه يتبع الرّوية والتأمل الفكري في تطبيق القواعد والأصول العلمية إثناء البحث عن حقيقةٍ ما.

 وهو بدوره ينقسم على قسمين رئيسين: منهج عام، ويعرف بالمنهج المنطقي أيضًا، ومنهج خاص، ويسمى بالمنهج الفنَي أيضًا. وتفصيلهما كما يأتي:

أ‌-  المنهج العام: وهو عبارة عن مجموعة من القواعد العامة التي يُرجع إليها عند البحث في أي حقل من حقول المعرفة، وتدخل ضمن هذا القسم أنواع عدًة من مناهج البحث الفرعية، من قبيل: (المنهج النقلي، والمنهج العقلي، والمنهج الوجداني، والمنهج المقارن، والمنهج التجريبي... إلخ)، وأهم ما يهمنا منها في دراساتنا الإنسانية والإسلامية هي المناهج الآتية:

· المنهج النقلي: ويتم فيه دراسة النصوص المنقولة، من حيث توثيق إسناد النص وردّه إلى قائله بما يؤكّد صحة صدوره عنه، والتحقق من سلامة النص من التصحيف والتحريف أو الإضافة والنقصان، وفهم مدلول النص باتباع الوسائل والأدوات العلمية المقرر استعمالها لذلك.

وعادة ما يُستعمل هذا المنهج في الدراسات الإسلامية على مستوى علوم القرآن وعلوم الحديث، ودراسة الأحداث التاريخية من خلال الوثائق المنقولة، أو النقوش المرسومة على آثار الأمم السالفة، وهذا لا ريب يتطلب البحث أولًا عن هذه الآثار ومن ثم دراسة ما فيها من معالم.

·  المنهج العقلي (الاستدلالي): و ويتم فيه دراسة الأفكار والمبادئ العقلية القائمة على قواعد علم المنطق الأرسطي، فيلتزم الحدود والرسوم في التعريف، والقياس والاستقراء في الاستدلال. فيبدأ البرهان فيه من قضايا مسلّم بها، ثم يسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة من دون الالتجاء إلى التجربة، ولكي يكون البرهان دقيقًا في هذا المنهج، فلا بد من أن تكون القضايا المستدَل بها دقيقة وقابلة للتبرير العقلي المجرد.  

وغالبًا ما يستعمل هذا المنهج في الدراسات الإسلامية على مستوى علم الفلسفة وعلم الكلام وعلم أصول الفقه. وقد عدّل فيه بعض المناطقة المسلمين، فالتزموا في التعريف بما أسموه ب‍ (شرح الاسم)، وأضافوا إلى مادة الاستقراء طرق المنطق الأوربي الحديثة في استقصاء الجزئيات.

·  المنهج الوجداني: هو من الرياضات العبادية -سواء على مستوى الروح أو مستوى الجسد- التي ينتهجها العارف أو المتصوف إلى أن تحصل عنده إشراقات روحانية تكشف له بعض الحقائق الغائبة، وهو نوع من الإلهام معتضدًا بالنصوص المنقولة في إطار ما تؤوّل به، على اعتبار أن دلالتها من نوع الإشارة لا من نوع العبارة.

· المنهج التكاملي: هو المزج بين أكثر من منهج في البحث الواحد، بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث، كما في البحث الكلامي الذي يلجأ فيه المتكلم للمزج بين  المنهج العقلي والمنهج النقلي، أو البحث العرفاني الذي يلجأ فيه العارف أو المتصوف إلى المزج بين المنهج الوجداني والمنهج النقلي... وهكذا في العلوم الأخرى.

 

ب‌-  المنهج الخاص: مجموعة القواعد التي وضعت للبحث في حقل خاص من حقول المعرفة، أو علم خاص من العلوم.

ويدخل ضمن هذا القسم أيضًا أكثر من نوع، وتتعدد أنواعه بعدد الحقول المعرفية والعلمية، من قبيل ما يخص العلوم الإنسانية والإسلامية -مثلًا- منهج البحث الفلسفي، ومنهج البحث الكلامي، ومنهج البث القرآني، ومنهج البحث الأصولي، ومنهج البحث الفقهي ... إلخ.

وسيتم التفصيل في المنهجين الفقهي والأصولي لا حقًا إن شاء الله.

 

 

أهمية البحث العلمي

لا يمكن لأمّة من الأمم أن تنهض بنفسها، أو أن تشغل حيّزًا في فضاء التحضّر والتمدّن، ما لم يكن لها أحكامًا وقوانين تنظّم حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، ومتى ما كانت نظم هذه الأمة أكثر إحكامًا واتساقًا، كانت أغرسُ جذورًا وأكثرُ صلابةً في مواجهة رياح التغيير عبر حركة التاريخ وسيرورته.

وهنا تأتي أهمية البحث العلمي في وضع النظريات المشتملة على هذه الأحكام القوانين التي تنظم الحياة الإنسانية، وتحل المشكلات التي تواجهها، أو تسهم في تطوير سبل ممارستها.

وكلما كان البحث العلمي موضوعيًا، كلما كان أكثر تحصيلًا للنتائج المرجوّة منه وأكثر أثرًا في تنظيم المجتمعات في شتى المجالات.

 

ففي المجال الاجتماعي يمكن للبحث العلمي أن يسهم في التأسيس النظري لكيفية بناء الإنسان وتنظيم علاقاته للوصول إلى تحقيق سعادته، سواء على المستوى الأسري أو على المستوى الاجتماعي عمومًا.

وفي المجال الاقتصادي يمكن له أن يسهم في كيفية إدارة واستغلال موارد البلد الاقتصادية لإنتاج ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات لإشباع الحاجات.

وفي المجال السياسي قادر على إنتاج النظريات الصالحة لحكم هذا البلد أو ذاك بما يتناسب وطبيعة مجتمعه، لأنّ السياسة -كما يقال- فن إدارة المجتمعات الإنسانية.

وفي المجال التربوي يعد البحث العلمي وسيلة لتحسين أساليبها، ومواجهة مشكلاتها، والنهوض بمخرجاتها، لأنّ التربية القائمة على أسلوب علمي قابل للتطبيق لها السهم الأكبر في صناعة الإنسان.

وفي المجال الديني والتعبدي، له الأثر الأسمى في تنظيم عقائد وعبادات الناس وما يترتب عليها من آثار أخلاقية ومعاملاتية، سواء فيما بينهم وبين معبودهم، أو فيما بينهم وبين الآخرين الذين يتعايشون معهم لا سيما إذا كانوا متخالفين معهم في المعتقد الإيماني أو التعبدي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون