الجمعة، 15 يوليو 2022

على أعتاب زيارة بايدن، وعقد قمّة جدّة.

على أعتاب زيارة بايدن، وعقد قمّة جدّة.

بينا نحن نشاهد ونسمع تحليلات القنوات الفضائية والوكالات العالمية عن أغراض زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط وعقد قمّة جدّة مع قادة الخليج وإسرائيل والعراق، ومن قبلها ما عشناه من إرهاصات ترسيخ مشروع الديانات الإبراهمية وتسارع الخطى تجاه تطبيع دول الخليج مع إسرائيل.. فهو لا يتورع اليوم عن ذكر الغرض الأساس من عقد هذه القمّة، وهو إنشاء حلف شرق أوسطي على غرار حلف الناتو لمواجهة النظام الإيراني وثنيّه عن مشروعه النووي.

 شاهدتُ قبل يومين مقطع فديوي –سأرفقه في التعليق- للشيخ الكويتي السلفي فلاح مندكار (ت: 2020) وهو يذكر الحديث المروي بطريق ذي مخمر –أو ذي مخبر- عن النبي (صلى الله عليه وآله) ويفسره بتفسير مغاير عمّا يفسره الآخرون، ويطبّقه على التحركات الأخيرة للغرب والعرب، إذ سيكون هناك صلحًا عامًّا آمنًا بين اليهود والنصارى والمسلمين لمقاتلة عدو واحد مشترك قبل ظهور المهدي المنتظر، لا يمكن أن يخرج المهدي إلّا وقد حدث هذا الصلح، ويقول إنّ علمائنا قديمًا كلهم كانوا ينصّون على أنه لا يوجد عدو مشترك إلّا (الرافضة).

أثارني تفسير الشيخ ودفعني لمراجعة بعض الأحاديث المنقولة عن النبي والتي أخذت اهتمام كثير من العراقيين، وأنا منهم، أيام غزو أمريكا للعراق في العام 1991م عندما كنا نقرأ بشغف وتلهف لأيام الإمام المهدي الموعود (ع) بعد أن انتشر كتاب عصر الظهور للشيخ الكوراني، وغيره من الكتب التي كانت تروّج في تلك الفترة بغرض بعث الأمل في نفوس المنتظرين.

كنا نقارن ونطبّق فحوى الروايات على الأحداث التي كانت تتسارع بنا آن ذاك، وكنا نعايش أمل الخلاص من نظام صدام الفاشي، ونتطلع لاقتراب أيام ظهور الامام المهدي (ع) وكأنها بعد أيام أو شهور قليلة. وما أنْ مرت الشهور والسنين وبقاء صدام جاثمًا على صدورنا، حتى بدأ الأمل بالاضمحلال، ولربما التلاشي شيئًا فشيئًا، بل أصبح من يتكلم بعصر الظهور يُقابَل بالاستهزاء والإنكار من الآخرين!

 وتمضي سنون أخرى، ويأتي عهد الألفية الثالثة، وها هو التحشيد الأمريكي يظهر من جديد لإسقاط نظام صدام، تتسارع الأحداث وتهبّ عواصف التغيير ثانية، تظهر التنظيمات المتطرفة لتزيد من مظاهر عهد الهرج والمرج الموعودون به أن يحدث قبل ظهور الإمام (ع)، فيعود أمل الخلاص بقوةٍ أيامَ ظهور تنظيم داعش وسماعنا لأول مرة باسم مدينة (درعا) المذكورة في الروايات، ويزيد على ذلك، تحقق دخول روسيا لحلبة الصراع في سوريا، وهو ما ذكره الشيخ الكوراني في تفسيراته لبعض الأحاديث التي تذكر (أخوان الترك) حين أسقط هذه التسمية على الروس..

وهنا تأخذنا إسقاطات الأحداث مرة أخرى لنخمّن بأنّ أيام ظهور (السفياني) قد اقتربت، ولربما هو أحد أفراد داعش، أو أحد قادة بلدان الشام، ولكن ما أن استطاع العراقيون من القضاء على التنظيم، حتى تلاشت أحلام ظهور السفياني معه!

 غير أنّ دولاب تسارع الأحداث يأبى أنْ يبارحنا أمل اقتراب عصر الظهور.. فقبل عامين أو أكثر، اشتدت اصطفافات الغرب وإسرائيل لتتوحد في مواجهة المد الإيراني في المنطقة، فيصطف معهم -من دون وجل أو خجل- عرب الخليج المطبّعين والذين سيطبعون مع إسرائيل؛ لأنهم يعتقدون -من جانب- بأنّ عدوّهم واحد وأنّ مصالحهم مشتركة في التخلص منه، ومن جانب آخر يعتقدون بأنهم موعودون بهذا التحالف لمحاربة هذا العدو قبيل ظهور الإمام المهدي، لا سيما أصحاب التوجه السلفي والوهابي الذين يؤلون لحديث (ذي مخمر الحبشي) أهميةً.   

يُنقل هذا الحديث في كثير من كتب الحديث المعتمدة (سوى الصحيحين)، وأول من نقله نعيم بن حماد المروزي (ت: 228هـ) في كتابه الفتن، ثم أحمد بن حنبل (ت: 241هـ) في كتابه المسند مع بعض التغيير في الألفاظ([1])، وكذا عند أبي داوود (ت: 275هـ) في كتاب السنن([2])، وابن حبان (ت: 354هـ) في صحيحه([3]). وينقله كذلك كثير من المحدّثين اللّاحقين، وقد صحح الحديث الحاكم النيسابوري على شروط البخاري ومسلم، وصححه من المعاصرين الألباني وغيره.. وجميعهم ينقلون الحديث في باب الملاحم وباب ما يختص بالإمام المهدي (ع).

ما نص هذا الحديث؟

نصّه برواية نعيم بن حماد، ينقل عن ذي مخبر عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «تُصالحون الرومَ عشر سنين صلحًا آمِنًا، يَفونَ لكم سنتين ويغدرون في الثالثة، أو يفونَ أربعًا ويغدرون في الخامسة، فينزل جيشٌ منكم في مدينتهم فتنفرونَ أنتمْ وهُمْ إلى عدوٍ من ورائهم، فيفتح اللهُ لكم، فتُنصرونَ بما أصبتم من أجرٍ وغنيمةٍ، فتنزلونَ في مرجٍ ذي تلولٍ  فيقول قائلكم: اللهُ غلبَ، ويقولُ قائلهم: الصليبُ غلبَ، فيتداولونها ساعةً فيغضبُ المسلمون وصليبهم منهم غير بعيدٍ فيثور المسلم إلى صليبهم فيدقّهُ فيثورون إلى كاسرِ صليبهم فيضربونَ عنقهُ فتثورُ تلك العصابة من المسلمين إلى أسلحتهم، ويثور الروم إلى أسلحتهم، فيقتتلونَ فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين فيستشهدون، فيأتون ملكهم فيقولون: قد كفيناك حد العرب وبأسهم فماذا تنتظر؟ فيجمع لكم حَمْل امرأة ثم يأتيكم في ثَمانِينَ غَايَةً، تحت كل غاية إثنا عشر ألفًا»([4]).

ونصّه برواية أحمد بن حنبل: «تُصالِحونَ الرُّومَ صلحًا آمِنًا؛ وتَغْزونَ أنتم وهُمْ عدُوًّا مِن ورائِهم؛ فتَسْلمونَ وتَغْنَمونَ، ثم تَنزِلون بمَرْجٍ ذي تُلولٍ، فيقوم إليه رجلٌ من الروم، فيرفع الصليب ويقولُ: أَلَا غلَبَ الصليبُ؛ فيقوم إليه رجلٌ مِنَ المسلِمينَ فيقتله؛ فعِندَ ذلك تَغْدِرُ الرُّومُ وتَكُونُ المَلاحِمُ، فَيَجْتَمِعُونَ إلَيكُمْ فيأتونَكُمْ في ثَمانِينَ غَايَةً مع كلِّ غَايَةٍ عشرَةُ آلافٍ». وكذا عند الآخرين تزيد أو تنقص كلمات الحديث.

الملاحظ أنّ ابن حماد عندما ينقل هذا الحديث يضعه ضمن أحداث ما بعد ظهور الإمام المهدي (ع)، وكذلك فعل الشيخ الكوراني في كتابه معجم أحاديث الإمام المهدي، حين جعله في باب الأحداث التي تحصل بعد ظهور الإمام (ع)، وفي كتابه عصر الظهور عندما نقل حديثًا مشابهًا عن حذيفة بن اليمان، يذكر أنّ الإمام (ع) هو الذي يقوم بعقد الهدنة مع الروم ومن بعدها يغدرون به([5]).

غير أنّ البحث أوصلني إلى كتاب المقدسي (عقد الدرر في أخبار المنتظر)، وهو من أعلام المذاهب الإسلامية في القرن السابع الهجري، فوجدته يضع بعد حديث ذي مخبر مباشرة رواية أخرى لابن حماد كان قد نقلها في كتابه الفتن قبل أن ينقل حديث ذي مخبر بفاصل كبير في ترتيب الكتاب، وعندما تتدبر في هذه الرواية الطويلة –ثمان صفحات تقريبًا- تجدها وكأنها تفصيل مطنب للأحداث التي يذكرها ذي مخبر، قد يكون حدوث بعضها قبل ظهور الإمام، ويمتد بعضها الآخر إلى ما بعد ظهوره (ع)([6])، وكأن المقدسي يخبرنا بأنه قد كان قاصدًا بوضع هذا الترتيب، وغالب الظن أنّ كل متدبّر في فحوى الرواية سيفعل ما فعله المقدسي، اقتضاءً لتسلسل الأحداث المستشف من جمع الروايتين إلى بعضهما.

المثير في مطلع هذه الرواية، كأنه يخبرنا بأنّ الاسم الصريح لهذا العدو المشار إليه في رواية ذي مخبر، هو بلاد (فارس)!

يقول ابن حماد: «حدثنا أبو عمر -صاحب لنا من أهل البصرة- ثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يكون بين المسلمين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدوًا لهم، فيقاسمونهم غنائمهم، ثم إنّ الروم يغزون مع المسلمين فارس فيقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم، فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم، فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم، فيقولون: لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدًا، فيقولون: غدرتم بنا، فترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية فيقولون: إنّ العرب غدرت بنا ونحن أكثر منهم عددًا وأتم منهم عدة وأشد منهم قوة، فأمدّنا نقاتلهم، فيقول: ما كنت لأغدر بهم قد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب روميه فيخبرونه بذلك، فيوجه ثمانين غياية تحت كل غياية اثنا عشر ألفًا...» ([7]).

لم أجد من ينقل هذه الرواية في كتب الحديث المعتبرة، سوى ما رواه نعيم بن حماد، وينقلها عنه كل من ابن العديم الحلبي (ت: 660هـ) في كتابه (بغية الطلب في تاريخ حلب)([8])، والمقدسي (ت: ق7) المشار إليه سابقًا، كما أنني لم أجد تعليقًا لأحدٍ على مدى صحة الحديث من لا صحته، إلّا أنّ الشيخ علي الكوراني عندما ينقله في كتابه المعجم علّق عليه بأنه مما يتعلّق بفتح القسطنطينية الذي تم وتحقق قبل خمسة قرون، وإلّا فإنه من الموضوعات. كما في قوله: «يظهر أن هذا الحديث يتعلق بفتح القسطنطينية الذي كان يطمح إليه المسلمون حتى تم قبل نحو خمسة قرون، وقد أوردناه وأمثاله لان فيه ذكر نزول عيسى عليه السلام، وخروج الدجال، وإلّا فأمره ظاهر أنه من الموضوعات من تأثير الصراع بين المسلمين والروم البيزنطيين. نعم هو يؤيد أنّ مسألة الترابط بين فتح عاصمة كبيرة للروم وبين خروج الدجال على أثره»([9]).

ولا أعلم ما الدافع الذي جعل الشيخ الكوراني ينكر فحوى الرواية، أيكون قد تحقق من توثيق الحديث بالطرق العلمية وتوصل إلى ضعفه، أو أنه استبعد وروده عن النبي (صلى الله عليه وآله) بدافع عاطفي مع البلد الذي يعيش فيه، وكرهه لمجرد التفكير باحتمالية تحقق نبوءة ما فيه. إذ لم يرد في التاريخ أنّ مسلمي العرب قد تعاونوا مع الروم في فتح القسطنطينية، ولم يرد أيضًا تعاونهم معًا في قتال فارس من قبل.    


النتــــائج:

- قد تكون زيارة بايدن الحالية إلى الشرق الأوسط وعقده لقمة جدة مقدمة للتعاون المشترك (أو التصالح) بين اليهود والنصارى وبعض مسلمي العرب الذي جاء في الحديث أعلاه.

- قد تتعرض إيران لحرب قادمة ينتصر فيها الحلف المزعوم إنشاؤه.

- تقصي البحث للحديثين أعلاه كان على عجالة، وهو بحاجة إلى مراجعة أكثر، ولم يكن إلّا من باب الأمل باقتراب ظهور الإمام (عجل الله فرجه وفرجنا بظهوره)




[1]-  أحمد بن حنبل (ت: 241هـ)/مسند احمد، دار صادر– بيروت، 4/91.

[2]- أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني(ت: 275هـ)/ سنن أبي داود، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر-بيروت،ط1، 2/312.

[3]- ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي (ت: 354هـ)/صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان،تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة،  15/101.

[4]-  نعيم بن حماد المروزي(ت: 228هـ)/كتاب الفتن، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر- بيروت، 1993م،  ص298.

[5]-  ظ: علي الكوراني العاملي/عصر الظهور، ط11،  ص249.

[6]- ظ: المقدسي: يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي(ت: ق7)/ عقد الدرر في أخبار المنتظر، تحقيق:  عبد الفتاح محمد الحلو، ط1، 1979م، ص204-212، نعيم بن حماد/الفتن/ ص268، 297-298.

[7]- نعيم بن حماد/الفتن، ص259 وما بعدها، راجع الرواية كاملة.

[8]- ابن العديم: الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة (ت: 660هـ)/ بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، دمشق، 1988م، 1/500 وما بعدها.

[9]-  علي الكوراني/معجم أحاديث الإمام المهدي(ع) مؤسسة المعارف الاسلامية، ط1، 1411هـ، 1/368..

[10]-  نعيم بن حماد المروزي(ت: 228هـ)/كتاب الفتن، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر-بيروت، 1993م،  259-261.




 

لمن يرغب بقراءة نص الحديث الثاني كاملًا، فهذا نصه:

نعيم ابن حماد: حدثنا أبو عمر -صاحب لنا من أهل البصرة- ثنا ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث الهمداني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يكون بين المسلمين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدوًا لهم، فيقاسمونهم غنائمهم، ثم إنّ الروم يغزون مع المسلمين فارس فيقتلون مقاتلتهم ويسبون ذراريهم، فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم، فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم، فيقولون: لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدًا، فيقولون: غدرتم بنا، فترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية فيقولون: إنّ العرب غدرت بنا ونحن أكثر منهم عددًا وأتم منهم عدة وأشد منهم قوة، فأمدّنا نقاتلهم، فيقول: ما كنت لأغدر بهم قد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب روميه فيخبرونه بذلك، فيوجه ثمانين غياية تحت كل غياية اثنا عشر ألفًا في البحر، ويقول لهم صاحبهم: إذا رسيتم بسواحل الشام فأحرقوا المراكب لتقاتلوا عن أنفسكم، فيفعلون ذلك، ويأخذون أرض الشام كلها برها وبحرها ما خلا مدينة دمشق والمعنق ويخربون بيت المقدس.

قال: فقال ابن مسعود: وكم تسع دمشق من المسلمين؟

قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتسعن هذا على من يأتيها من المسلمين كما يتسع الرحم على الولد.

قال: قلت: وما المعنق يا نبي الله؟ قال: جبل بأرض الشام من حمص على نهر يقال له الأرنط، فتكون ذراري المسلمين في أعلى المعنق والمسلمون على نهر الأرنط والمشركون خلف نهر الأرنط، يقاتلونهم صباحًا ومساءً، فإذا أبصر ذلك صاحب القسطنطينية وجه في البر إلى قنسرين ستمائة ألف حتى تجيئهم مادة اليمن سبعين ألفا ألّف اللهُ قلوبهم بالإيمان معهم أربعون ألفًا من حِميَر حتى يأتوا بيت المقدس، فيقاتلون الروم فيهزمونهم ويخرجونهم من جند إلى جند حتى يأتوا قنسرين وتجيئهم مادة الموالي.

قال: قلتُ: وما مادة الموالي يا رسول الله؟

قال: هم عتاقتكم، وهو منكم قوم يجيئون من قبل فارس فيقولون تعصبتم يا معشر العرب لا نكون مع أحد من الفريقين أو تجتمع كلمتكم، فتقاتل نزار يومًا واليمن يومًا والموالي يومًا، فيخرجون الروم إلى العمق وينزل المسلمون على نهر يقال له كذا وكذا..

يعزى والمشركون على نهر يقال له الرقية وهو النهر الأسود، فيقاتلونهم فيرفع الله تعالى نصره عن العسكرين وينزل صبره عليهما حتى يقتل من المسلمين الثلث ويفر ثلث ويبقى الثلث، فأما الثلث الذين يقتلون فشهيدهم كشهيد عشرة من شهداء بدر يشفع الواحد من شهداء بدر لسبعين وشهيد الملاحم يشفع لسبعمائة، وأما الثلث الذين يفرون فإنهم يفترقون ثلاثة أثلاث: ثلث يلحقون بالروم ويقولون لو كان لله بهذا الدين من حاجة لنصرهم وهم مسلمة العرب بهراء وتنوخ وطئ وسليح، وثلث يقولون منازل آبائنا وأجدادنا خير لا تنالنا الروم أبدًا مروا بنا إلى البدو، وهم الأعراب، وثلث يقولون إنّ كل شيء كاسمه، وأرض الشام كاسمها الشؤم فسيروا بنا إلى العراق واليمن والحجاز حيث لا نخاف الروم، وأما الثلث الباقي فيمشي بعضهم إلى بعض يقولون الله الله دعوا عنكم العصبية ولتجتمع كلمتكم وقاتلوا عدوكم فإنكم لن تنصروا ما تعصبتم، فيجتمعون جميعًا ويتبايعون على أن يقاتلوا حتى يلحقوا بإخوانهم الذين قتلوا.

فإذا أبصر الروم إلى من قد تحول إليهم ومن قتل ورأوا قلة المسلمين، قام رومي بين الصفين معه بند في أعلاه صليب فينادي غلب الصليب غلب الصليب، فيقوم رجل من المسلمين بين الصفين ومعه بند فينادي بل غلب أنصار الله بل غلب أنصار الله وأولياؤه، فيغضب الله تعالى على الذين كفروا من قولهم غلب الصليب، فيقول يا جبريل أغث عبادي فينزل جبريل في مائة ألف من الملائكة ويقول يا ميكائيل أغث عبادي، فينحدر ميكائيل في مائتي ألف من الملائكة، ويقول يا إسرافيل أغث عبادي، فينحدر إسرافيل في ثلاثمائة ألف من الملائكة وينزل الله نصره على المؤمنين، وينزل بأسه على الكفار فيقتلون ويهزمون ويسير المسلمون في أرض الروم حتى يأتوا عمورية وعلى سورها خلق كثير يقولون ما رأينا شيئا أكثر من الروم، كم قتلنا وهزمنا وما أكثرهم في هذه المدينة وعلى سورها، فيقولون آمنونا على أن نؤدي إليكم الجزية.

فيأخذون الأمان لهم ولجميع الروم على أداء الجزية وتجتمع إليهم أطرافهم، فيقولون يا معشر العرب إنّ الدجال قد خالفكم إلى دياركم، والخبر باطل، فمن كان فيهم منكم فلا يلقين شيئًا مما معه فإنه قوة لكم على ما بقي، فيخرجون فيجدون الخبر باطلًا، ويثب الروم على ما بقي في بلادهم من العرب فيقتلونهم حتى لا يبقى بأرض الروم عربي ولا عربية ولا ولد عربي إلّا قتل، فيبلغ ذلك المسلمين فيرجعون غضبًا لله عز وجل فيقتلون مقاتلتهم ويسبون الذراري ويجمعون الأموال لا ينزلون على مدينة ولا حصن فوق ثلاثة أيام حتى يفتح لهم، وينزلون على الخليج ويمد الخليج حتى يفيض فيصبح أهل القسطنطينية يقولون الصليب مد لنا بحرنا والمسيح ناصرنا، فيصبحون والخليج يابس فتضرب فيه الأخبية ويحسر البحر عن القسطنطينية ويحيط المسلمون بمدينة الكفر ليلة الجمعة بالتحميد والتكبير والتهليل إلى الصباح ليس فيهم نائم ولا جالس.

فإذا طلع الفجر كبّر المسلمون تكبيرة واحدة فيسقط ما بين البرجين، فتقول الروم إنما كنا نقاتل العرب فالآن نقاتل ربنا وقد هدم لهم مدينتنا وخربها لهم، فيمكثون بأيديهم ويكيلون الذهب بالأترسة ويقتسمون الذراري حتى يبلغ سهم الرجل منهم ثلاثمائة عذراء ويتمتعوا بما في أيديهم ما شاء الله ثم يخرج الدجال حقًا ويفتح الله القسطنطينية على يد أقوام هم أولياء الله، يرفع الله عنهم الموت والمرض والسقم حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام فيقاتلون معه الدجال([10]).

 

الثلاثاء، 21 يونيو 2022

البناء الإسلامي للأُسرة - دراسة فقهية

 

من خصائص البناء الاجتماعي في الإسلام، أنه منهج تعبدي وتربوي، شامل متوازن ومتكامل. ولكون الأسرة هي النواة الأولى في بناء المجتمع، ولكل اجتماع لابدّ له من تنظيم، ولابدّ لهذا التنظيم من قِيَم تحكمه وتحد من طغيانه وتجاوزه؛ قننت الشريعة الإسلامية -كغيرها من الشرائع السماوية السابقة- كل تفاصيل الحياة الأسرية، سواءً بأحوالها العادية أو بأحوالها الطارئة. فعلى قدر ما تكون الحياة الأسرية منتظمة وسعيدة، يكون المجتمع المبني من هذه الوحدات المجتمعية الصغيرة سعيدًا. وبناء الأسرة في الإسلام يبدأ انطلاقًا من تكوين العلقة الأولى بين الزوجين، على اعتبار أنّ عقد الزواج هو الطريق الشرعي لتكوين الأسرة، ولذا جعلت الشريعة الإسلامية من هذا العقد رباطًا مقدسًا وصفه القرآن الكريم بـ(الميثاق الغليظ)(*). إذ كانت هناك زيجات شتى في مجتمع الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية، لا يحدّها حد ولا يضبطها ضابط، وعند مجيء الإسلام ألغى جميع الزيجات التي لا تصلح لإقامة أسرة فاضلة أو مجتمع متماسك، ولم يُقِرّ إلّا زيجة واحدة، بأن يخطب الرجل من الرجل ابنته أو وليته، ويعطيها صداق -أو مَهْر- متفق عليه بينهما، ثم يتزوجها بعقد فيه إيجاب وقبول، ويستحب أن يكون على مشهدٍ من الناس. وقد تناول البحث أساسيات هذا البناء وفق المنظور الاسلامي في مبحثين، سبقهما تمهيد للتعريف بمفهوم الأسرة، وأعقبهما خاتمة تضمنت ما خرج به من نتائج.


لقراءة البحث والتحميل اضغط هنــــــا






الجمعة، 31 ديسمبر 2021

ميثولوجيا الشيطان - دراسة موازنة في الفكر الديني

        لم تتبلور صورة الشيطان كوجود في عالم الخلق إلّا في الديانات السماوية، أو بمعنى أدق في الديانات الكتابية، بعد أنْ أوضحت حقيقته والهدف من وجوده. فكانت فاتحة التمييز بين الخير والشَّر، والحسن والقبيح، والطيب والخبيث... وحددت مقدار ما يُنسب إليه من الشَّر؛ لئلّا يكون سببًا يعلّق عليه بنو البشر كل شرورهم، أو ينسبون إليه ما يعتقدونه شرًّا بالنسبة إليهم.


حميدة الأعرجي


لقراءة الكتاب كاملًا.. اضغط هنـــــــــا




السبت، 31 يوليو 2021

حركة الفقــه الدِّيني عند النَّوازِل

 دراسة فقهية معاصرة في متعلقات جائحة (كورونا)


      يعتقد أغلب المسلمين بأنّ شريعتهم شريعة شاملة ومرنة قادرة على أنْ تتحرك مع حركة الزمان والمكان لتلبّي كل ما يحتاجونه في تنظيم أمورهم، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الاجتماعي. وقد أثبت اليوم أغلب فقهاء المذاهب الإسلامية ذلك في فتاواهم المتسارعة والمتساوقة مع الأحداث المصاحبة لوباء (كورونا) الفتّاك، الذي أصاب البشر في أكثر من مئتي دولة عالمية، فألزمهم بيوتهم وشلّ حركتهم الاجتماعية والتعليمية والصناعية والاقتصادية... بما في ذلك ممارستهم للطقوس الدينية الجماعية.

      ولذا انبرى علماء الدين وفقهائه في عموم الدول للتصدي في الحد من انتقال عدوى هذا العدو القاتل بين الناس، فكانوا خير معين للسلطات الحاكمة في تطبيق القرارات الصادرة عن اللجان العليا لإدارة أزمة هذه الجائحة، وذلك بإصدارهم الفتاوى المبينة لأحكام الدين الواجب على المكلفين الامتثال لها في الحادثات. وللوقوف على رصد حركة الاجتهاد الفقهي في هذه النازلة، حاول البحث استقصاء وجمع بعض الفتاوى الصادرة عن الفقهاء والمجامع العلمية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية بخصوصها، فكان في تمهيدٍ عرّفَ بالمقصود من عنوان البحث، وثلاثة مطالب تضمنت عددًا من المقاصد، متبوعة بخاتمة البحث وأهم ما رشح عنه من نتائج. 

      وكانت مطالب البحث على النحو الآتي: المطلب الأول: في الأحكام المتعلقة بالصلوات الجماعية، لا سيما الجمعة والجماعة اللتان تعدان من أهم العبادات التي يبتغي الإسلام من التأكيد عليها تحقيق التلاقي الدائم بين المسلمين، وتلقيهم تعليماته بانتظام، وتوحيد صفوفهم وإعلاء كلمتهم وتوطين أنفسهم على العمل الجماعي، لما له من أبعاد روحية وأهداف اجتماعية، غير أنّ جائحة (كورونا) حالت دون ذلك منذ تفشي الفيروس وإلى اليوم. وقد قسّم المطلب على ثلاثة مقاصد، تعرّض الأول منها لفتاوى فقهاء الإمامية، والثاني لفتاوى فقهاء المذاهب الإسلامية، والثالث لفتاوى فقهاء اليهودية والمسيحية. 

     أما المطلب الثاني، فقد وقف على بعض فتاوى الفقهاء في أحكام منع زيارة الأماكن المقدسة، بعد أنْ أجبرت هذه الجائحة السلطات الحكومية والدينية في بعض الدول على إغلاقها؛ لمنع انتشار الفيروس بين الزائرين. وأخيرًا، تناول المطلب الثالث الفتاوى التي صدرت بخصوص حكم صيام شهر رمضان في زمن انتشار (كورونا)، بعد أن تخوّف بعض الناس من أثره على صحة البدن إذا ما صام هذا الشهر.

لقراءة البحث كاملًا.. اضغط هنــــــــا

الأحد، 9 مايو 2021

 منهج البحث العلمي

مح 3

 

صفات الباحث

من أهم المؤهلات المكونة لشخصية الباحث، تحلّيه بالصفات الآتية:

1- الموهبة: ويراد بها الاستعداد الفطري الذي يمكِّن الباحث في أن يبرع فيما يريد القيام به من سلوك، فكريًا كان أو عمليًا، ولا ريب أن هذه الموهبة تتفاوت في مقدارها من باحث إلى آخر،  والتجربة عادة ما تكشف مدى استعداد الباحث أو لا استعداده لتحصيل ملكة البحث. فمتى ما وجد المرء نفسه موهوبًا في هذا المجال، سهل عليه الانطلاق في تنمية قدراته على البحث فيما يرغب.

 

2- قوة التفكير العلمي: قد يتمتع الباحث بقدر من الذكاء الذهني الذي يساعده على الخوض في غمار البحث، كما ويمكنه شحن هذه القوة باستمرار كلما زاد في التعامل مع المعطيات العلمية ومحاولة نقدها بالأدلة المُثبِتة أو النافية. والتجربة –هنا أيضًا- كفيلة بأن تكشف عن مدى قوة التفكير العلمي عند هذا الباحث أو ذاك.

 

3- اختيار المنهج الملائم، وهذا الاختيار لا يكون صحيحًا إلّا إذا كان الباحث عارفًا بأصول المنهج العلمي العام، وقواعد المنهج العلمي الخاص، اللذين يناسبان موضوع بحثه. فضلًا عن تمتع الباحث بالقدرة على هندسة بحثه وفق قوانين المنهجين ليصل إلى نتائج سليمة في بحثه.

 

4- مدى التحصيل العلمي، أي مقدار المعرفة التي حصل عليها الباحث في مجال تخصصي ما، بحيث يمكنه من أن يكون ملمًّا إلمامًا وافيًا وكافيًا في موضوع بحثه. وكذلك يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة ما قد يظهر له من معارف جديدة قد تكون مخالفة أو مضادة لما يتبناه من معطيات علمية في بحثه.

 

5- الصبر والمثابرة، لأنّ البحث مسؤولية، والمسؤولية لا بد لها من تحمل، والتحمل بطبيعته يتطلب الصبر وطول الأناة للتوصل إلى نتائج مرضية؛ ولهذا لا بد للباحث من المثابرة على مواصلة البحث، فلا تثنيه العوائق والصعوبات، بل يعمل على تذليلها وتسهيلها.

 

6-  الموضوعية وعدم الانحياز، بأن يتجرد الباحث من أي رؤية مسبقة لنتائج البحث، أي ينظر في موضوع بحثه بطريقة علمية غير منحازة لطرفٍ ما يشترك معه في فكره، أو لعقيدةٍ ما يؤمن بها أو يتعاطف معها، فلا يقحم في مبادئه أو مطالبه أي اعتبارات شخصية، وإنما ينظر الأشياء ويتصورها على ما هي عليه من غير أن يشوبها نظرة ضيقة أو تحيّز خاص.

 

7- الخُلُق الحسن في التعامل مع آراء المخالفين، فلا يلجأ إلى النقد الجارح وتسقيط آراءهم  بالانتقاص من مستواهم العلمي، أو الانتقاص من انتماءهم الفكري والعقدي والمذهبي، فيكيل لهم بشتى ألفاظ السباب والشتائم! بل لا بد من أن يكون على يقين بأنّ الفكرة لا تُقابل إلّا بالفكرة، وبأنّ الرأي لا يُهدم أو يُدفع إلّا بالدليل العلمي.

 

8-  التواضع، فلا يخاطب قرّاءه بروحية الأنا والتعالي، وإنما بأسلوب ليّن ملؤه التواضع في احترام عقليّاتهم، ويفضّل مخاطبتهم دائمًا بأسلوب المتكلّم (المبني للمجهول)، أو  المنسوب إلى البحث وليس لشخص الباحث، من قبيل التعبير بضمير الجمع (نقول، ونرى، ورأينا، وتوصلنا...إلخ). كذلك فليحذر الباحث من يأخذه الغرور بما قد يصل إليه من نتائج ذات قيمة علمية؛ لأنّ الغرور مطية الهلاك.

 

9- الأمانة في النقل، بأن يكون الباحث أمينًا في نقل النصوص أو الآراء أو غيرهما، فلا يقدم تقويل الآخرين ما لم يقولوا، ولا على الزيد في أقوالهم أو النقص منها، أو التغيير فيها بشكل أو بآخر، أو الانتحال والسرقة من جهود الآخرين من دون الإشارة إليهم.

 

10- الصدق في القول؛ لأنّ البحث والكتابة فيه يعد مسؤولية أخلاقية وشرعية، ولربما تُخضِع الباحث للمساءلة القانونية، أو الشرعية، إذا ما تعمّد على تزوير الحقائق. وإذن فليكن صادقًا وصريحًا في إبداء ما يتوصل إليه من رأي؛ لأنّ الباحث ناشدُ حقيقة، والحقيقة لا تقبل التضبيب أو التشويش.

 

11- الوضوح في العمل، من حيث تحديد الباحث لأهداف البحث، والسير في خطوات تسلسلية حتى الوصول إلى النتائج، فيبتعد بذلك عن الغموض، ويتجنب الانغلاق أو التذبذب وعدم الثبات في الرأي.

  منهج البحث العلمي

مح 2 

أقسام منهج البحث

يقسم المنهج تقسيمًا أوليُا على قسمين، هما: المنهج التلقائي، والمنهج التأمَلي، وتوضيحهما بما يأتي([1]):

 1-  المنهج التلقائي: ويراد به ما يزاوله عامة الناس في تفكيرهم وأعمالهم من دون أن يكون هناك التفات منهم إليه، أو خطة واضحة ثابتة في أذهانهم له، وإنما يأتيهم عفوًا ووفق ما يمليه الظرف. وقد أشار إليه بعض المناطقة بقولهم: إنّ العقل السليم يستطيع أن يصل إلى حقيقةٍ ما في نطاق البحث الذي يقوم به، من دون أن يعرف قواعد الاستدلال.

 

2-  المنهج التأمّلي: وهو ما يصطلح عليه بالمنهج العلمي، وسمي بالتأملي لأنه يتبع الرّوية والتأمل الفكري في تطبيق القواعد والأصول العلمية إثناء البحث عن حقيقةٍ ما.

 وهو بدوره ينقسم على قسمين رئيسين: منهج عام، ويعرف بالمنهج المنطقي أيضًا، ومنهج خاص، ويسمى بالمنهج الفنَي أيضًا. وتفصيلهما كما يأتي:

أ‌-  المنهج العام: وهو عبارة عن مجموعة من القواعد العامة التي يُرجع إليها عند البحث في أي حقل من حقول المعرفة، وتدخل ضمن هذا القسم أنواع عدًة من مناهج البحث الفرعية، من قبيل: (المنهج النقلي، والمنهج العقلي، والمنهج الوجداني، والمنهج المقارن، والمنهج التجريبي... إلخ)، وأهم ما يهمنا منها في دراساتنا الإنسانية والإسلامية هي المناهج الآتية:

· المنهج النقلي: ويتم فيه دراسة النصوص المنقولة، من حيث توثيق إسناد النص وردّه إلى قائله بما يؤكّد صحة صدوره عنه، والتحقق من سلامة النص من التصحيف والتحريف أو الإضافة والنقصان، وفهم مدلول النص باتباع الوسائل والأدوات العلمية المقرر استعمالها لذلك.

وعادة ما يُستعمل هذا المنهج في الدراسات الإسلامية على مستوى علوم القرآن وعلوم الحديث، ودراسة الأحداث التاريخية من خلال الوثائق المنقولة، أو النقوش المرسومة على آثار الأمم السالفة، وهذا لا ريب يتطلب البحث أولًا عن هذه الآثار ومن ثم دراسة ما فيها من معالم.

·  المنهج العقلي (الاستدلالي): و ويتم فيه دراسة الأفكار والمبادئ العقلية القائمة على قواعد علم المنطق الأرسطي، فيلتزم الحدود والرسوم في التعريف، والقياس والاستقراء في الاستدلال. فيبدأ البرهان فيه من قضايا مسلّم بها، ثم يسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة من دون الالتجاء إلى التجربة، ولكي يكون البرهان دقيقًا في هذا المنهج، فلا بد من أن تكون القضايا المستدَل بها دقيقة وقابلة للتبرير العقلي المجرد.  

وغالبًا ما يستعمل هذا المنهج في الدراسات الإسلامية على مستوى علم الفلسفة وعلم الكلام وعلم أصول الفقه. وقد عدّل فيه بعض المناطقة المسلمين، فالتزموا في التعريف بما أسموه ب‍ (شرح الاسم)، وأضافوا إلى مادة الاستقراء طرق المنطق الأوربي الحديثة في استقصاء الجزئيات.

·  المنهج الوجداني: هو من الرياضات العبادية -سواء على مستوى الروح أو مستوى الجسد- التي ينتهجها العارف أو المتصوف إلى أن تحصل عنده إشراقات روحانية تكشف له بعض الحقائق الغائبة، وهو نوع من الإلهام معتضدًا بالنصوص المنقولة في إطار ما تؤوّل به، على اعتبار أن دلالتها من نوع الإشارة لا من نوع العبارة.

· المنهج التكاملي: هو المزج بين أكثر من منهج في البحث الواحد، بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث، كما في البحث الكلامي الذي يلجأ فيه المتكلم للمزج بين  المنهج العقلي والمنهج النقلي، أو البحث العرفاني الذي يلجأ فيه العارف أو المتصوف إلى المزج بين المنهج الوجداني والمنهج النقلي... وهكذا في العلوم الأخرى.

 

ب‌-  المنهج الخاص: مجموعة القواعد التي وضعت للبحث في حقل خاص من حقول المعرفة، أو علم خاص من العلوم.

ويدخل ضمن هذا القسم أيضًا أكثر من نوع، وتتعدد أنواعه بعدد الحقول المعرفية والعلمية، من قبيل ما يخص العلوم الإنسانية والإسلامية -مثلًا- منهج البحث الفلسفي، ومنهج البحث الكلامي، ومنهج البث القرآني، ومنهج البحث الأصولي، ومنهج البحث الفقهي ... إلخ.

وسيتم التفصيل في المنهجين الفقهي والأصولي لا حقًا إن شاء الله.

 

 

أهمية البحث العلمي

لا يمكن لأمّة من الأمم أن تنهض بنفسها، أو أن تشغل حيّزًا في فضاء التحضّر والتمدّن، ما لم يكن لها أحكامًا وقوانين تنظّم حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، ومتى ما كانت نظم هذه الأمة أكثر إحكامًا واتساقًا، كانت أغرسُ جذورًا وأكثرُ صلابةً في مواجهة رياح التغيير عبر حركة التاريخ وسيرورته.

وهنا تأتي أهمية البحث العلمي في وضع النظريات المشتملة على هذه الأحكام القوانين التي تنظم الحياة الإنسانية، وتحل المشكلات التي تواجهها، أو تسهم في تطوير سبل ممارستها.

وكلما كان البحث العلمي موضوعيًا، كلما كان أكثر تحصيلًا للنتائج المرجوّة منه وأكثر أثرًا في تنظيم المجتمعات في شتى المجالات.

 

ففي المجال الاجتماعي يمكن للبحث العلمي أن يسهم في التأسيس النظري لكيفية بناء الإنسان وتنظيم علاقاته للوصول إلى تحقيق سعادته، سواء على المستوى الأسري أو على المستوى الاجتماعي عمومًا.

وفي المجال الاقتصادي يمكن له أن يسهم في كيفية إدارة واستغلال موارد البلد الاقتصادية لإنتاج ما يمكن إنتاجه من السلع والخدمات لإشباع الحاجات.

وفي المجال السياسي قادر على إنتاج النظريات الصالحة لحكم هذا البلد أو ذاك بما يتناسب وطبيعة مجتمعه، لأنّ السياسة -كما يقال- فن إدارة المجتمعات الإنسانية.

وفي المجال التربوي يعد البحث العلمي وسيلة لتحسين أساليبها، ومواجهة مشكلاتها، والنهوض بمخرجاتها، لأنّ التربية القائمة على أسلوب علمي قابل للتطبيق لها السهم الأكبر في صناعة الإنسان.

وفي المجال الديني والتعبدي، له الأثر الأسمى في تنظيم عقائد وعبادات الناس وما يترتب عليها من آثار أخلاقية ومعاملاتية، سواء فيما بينهم وبين معبودهم، أو فيما بينهم وبين الآخرين الذين يتعايشون معهم لا سيما إذا كانوا متخالفين معهم في المعتقد الإيماني أو التعبدي.


 منهج البحث العلمي

مح 1 

مفردات المادة:

§      تعريف منهج البحث لغة واصطلاحًا

§      أنواع مناهج البحث العلمي

§      أهمية البحث العلمي

§      مصادر ومراجع البحث العلمي

§      مجالات البحث العلمي

§      صفات الباحث العلمي

§      شروط البحث العلمي

§      التخطيط لكتابة البحث

§      نماذج للبحث الفقهي والأصولي

 

أهم المصادر والمراجع المعتمدة:

§      عبد الرحمن بدوي/مناهج البحث العلمي

§      عبد الهادي الفضلي/أصول البحث

§      عبد الوهاب ابراهيم سليمان/كتابة البحث العلمي

§      رحيم يونس العزاوي/منهج البحث العلمي

§      منذر الضامن/اساسيات البحث العلمي

  

تعريفٌ بمنهج البحث العلمي

 

أولًا: مفهوم (المنهج) في اللغة والاصطلاح

1-    (المنهج) في اللغة:

يستعمل لفظ مَنهج ومِنهج -بفتح الميم وكسرها- ومِنهاج -بالكسر أيضًا- بمعنى: الطريق الواضح. وأضاف إليه المعجم اللغوي الحديث معنى آخر، هو: (الخطة المرسومة). ولعله أفاد هذا من التعريف العلمي له أو من الترجمة العربية لكلمة Method الإنجليزية، بسبب اشتهارها في الحوار العلمي العربي، وهي تعني: الطريقة، والمنهج، والنظام.

 

2-    (المنهج) في الاصطلاح:

عرّفه أهل الفن بتعريفات عدة، منها:

§ عبارة عن: «خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ويتتبعها للوصول إلى نتيجة».

§ عبارة عن: «طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم».

§ «البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة» ، وأيضًا: «الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم» .

§ «فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن حقيقة مجهولة لدينا، أو من أجل البرهنة على حقيقة لا يعرفها الآخرون».

ومما سبق من تعريفات، فيمكننا القول بأنّ (لمنهج) في الاصطلاح عبارة عن: «مجموعة القواعد التي يعتمدها الباحث في تنظيم خزينه المعرفي والفكري، من أجل الحصول على النتائج».

 

 ثانيًا: مفهوم (البحث) في اللغة والاصطلاح

1-    (البحث) في اللغة

قال الفراهيدي (ت: 175هـ): «البحث: طلبك شيئًا في التراب، وسؤالك مستخبرًا، تقول: أستبحث عنه... والبَحُوثُ من الإِبل، التي إِذا سارتْ بحثت الترابَ بأَيديها
أُخُرًا -أَي- ترمِي به إِلى خَلْفِها»([1]).

وقال ابن فارس (ت: 395هـ): «الباء والحاء والثاء أصلٌ واحدٌ يدل على إثارة الشيء... والعرب تقول كالباحث عن مدية يضرب لمن يكون حتفه بيده. وأصله في الثور تدفن له المدية في التراب فيستثيرها وهو لا يعلم فتذبحه.

 قال: ولا تك كالثور الذي دفنت له ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حديدة حتف ثم ظل يثيرها»([2]).

 وعلى هذا الأساس، فإنّ لفظ (البحث) في المعنى اللغوي يستعمل في الاستعلام عن شيء، وفي حفر الأرض، سواءً كان هذا الحفر عن قصدٍ أو عن غير قصد.

 

2-    (البحث) في الاصطلاح

بمرور الزمن أصبح اللفظ أكثر سعةً في الاستعمال المعنوي منه في الاستعمال الحسي، وأزيحت دلالته إلى المجال الفكري، حتى صار يطلق على بذل الجهد في موضوع ما، وجمع المسائل التي تتصل به.

وقد عرّف علميا بأكثر من تعريف، منها:

§      إنه: «محاولة دقيقة ومنظمة وناقدة، للتوصل إلى حلول لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية، وتثير قلق وحيرة الإنسان».

§       إنه: «جهد علمي يهدف إلى اكتشاف الحقائق الجديدة والتأكد من صحتها، وتحليل العلاقات بين الحقائق المختلفة».

§      إنه: «وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة، وذلك عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة».

وقد يقصد من هذه التعريفات الإشارة إلى البحث العلمي التجريبي المبتني على التقصي واستقراء الظواهر الطبيعية أو المقدمات التجريبية، وعلى هذا لا تكون مثل هذه التعريفات شاملة لأبحاث  العلوم الإنسانية القائمة على أساس من المنهج العقلي أو المنهج النقلي أو المنهج التكاملي أو غيرها.

ولذلك يمكن تعريفه بـعد الاستعانة بالمعنى اللغوي له على النحو الآتي: البحث هو: (الحفر والتنقيب في الخزين الفكري والمعرفي باستعمال منهج معين من أجل الوصول إلى معرفة مجهولٍ ما).




المتابعون